مطالع التمام ونصائح الأنام ومنجاة الخواص والعوام في رد إباحة إغرام ذوي الجنايات والإجرام زيادة على ما شرع الله من الحدود والأحكام
تصانيف
وهذا سمع الناس يقولون: عن حفظ الأديان آكد، ثم الأبدان، إلى آخرها .. أي إذا نزل أمران، ولم يوجد من أحدهما تخلص، اختير الأدنى على الأعلى، وتكون مصيبة يصبر عليها. كما إذا ملكان، أحدهما كافر والآخر سفاك أو ظالم، فإنه يطلب الفرار إلى الظالم عن الكافر. فتوهم أن مرادهم أنه شرع الأدنى زاجرا للأعلى، فشرع هو العقوبة المالية لحفظ الجميع، أي جميع ما قبلها من المفاسد، وهذا غير معقول، كما سبق. ثم لايغنيه، فإن مفسدة المال أيضا، تحتاج رادعا، ثم هو جعل القتل في المحارب، والقطع في السارق لحفظ المال، فالمال في آخر الرتب، فإذا كان الزاجر عنه شرعا العقوبات البدنية لا المالية، فكيف ما هو أهم منه؟.
قال: القاعدة الثالثة: تقابل الضررين، فينفي الأصغر الأكبر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا التقا ضرران نفى الأصغر الأكبر"(¬1).
أقول: الذي يجب، ومضى عليه العمل، التحرز والتحصيل، لا يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيما صح عنده. ثم إن قاعدة نفي أصغر الضررين لأكبرهما ألا تطاول بالكلام على هذا الاستدلال، فإنه إنما يلزم ارتكاب أخف الضررين، إذا كان لا محيص عنهما، وضرر إخراج المال عن الحدود والجنايات على غير ضمان المتلف أمر لم يضطر إليه، وكفى الله عنه بما شرع من الحدود والزواجر.
ثم هو لا يفيد كما سبق غير مرة الا اغراء على الشهوات وضروب الجنايات، فان المال ليس مقصودا لنفسه، وإنما هو لتحصيل اللذات، ودفع الآلام.
قال: القاعدة الرابعة الرخصة، وهي ارتكاب المحظور مع قيام المانع للضرورة.
أقول: ماهي الضرورة التي الجأت إلى استباحة (38 = 203/أ) الأموال من غير وجهها، والتصرف لشرع الغرامات في غير محلها؟، فما شرعه الله اتم رادع.
صفحة ١٨٢