في الفصل السادس المعقود لبيان علمه وفضله إن شاء الله.
وحيث اتضح ما آتاه الله (عز وعلا) من أنواع العلم وأقسام الحكمة فباعتبار ذلك وصف بلفظة البطين، فإنها لفظة يوصف من هو عظيم البطن متصف بامتلائه ولما كان علي ((عليه السلام)) قد امتلأ علما وحكمة وتضلع من أنواع العلوم وأقسام الحكمة ما صار غذاء له مملوءا به، وصف باعتبار ذلك بكونه بطينا من العلم والحكمة كمن تضلع من الأغذية الجسمانية ما عظم به بطنه فصار باعتباره بطينا فاطلقت هذه اللفظة نظرا إلى ذلك.
هذا هو المعنى الذي أهدته هداة الرواة إلى ألسنة الأقلام، ووراءه معنى اطلعت زهره بروح هداية الإلهام وأينعت زهره مروج دراية الإفهام، يطرب سامعيه ويعجب من يعيه ولا غرو أن أطرب وأعجب بليغ المعاني وفصيح الكلام، وتقريب تقريره وتهذيب تحريره إن لفظة بطين هي لفظة فعيل ولفظة فعيل معدولة، فتارة تكون معدولة عن فاعل كشهيد وعليم عن شاهد وعالم، وتارة عن مفعول كقتيل وجريح عن مقتول ومجروح، وتارة عن مفاعل كخصيم ونديم عن مخاصم ومنادم، وتارة عن مفعل كبديع وعجيب عن مبدع ومعجب، وإذا كان من محال ما تكون معدولة عنه وأقسامه مفعل فتكون لفظة بطين هاهنا معدولة عن مبطن. وقد انتشرت الأخبار في الأقطار وظهرت الآثار في الأمصار، أن عليا ((عليه السلام)) كان قد حصل على علم كثير ومعرفة وافرة ودراية وافية، أظهر بعضا لشمول معرفته مصلحته وعموم منفعته وأبطن بعضا إلى حين حضور حملته، وكان مما أظهره في بعض القضايا ما حقن به دما قد انعقد بسبب إراقته وما أنقذ به خلقا جما من الحيرة لأشكال واقعته، حتى حصل له ((عليه السلام)) الاعتراف بعلمه ومعرفته فإنه أحضر إلى عمر بن الخطاب وهو حينئذ أمير المؤمنين امرأة زانية وهي حامل فأمر برجمها وإقامة حد الزنا عليها، فقال له علي ((عليه السلام)):
إنه لا سبيل لك على ما في بطنها، فردها عمر (رض) وقال بمحضر
صفحة ٧٠