قلقون من الناحية الميتافيزيقية
مطمئنون من هذه الناحية
منبوذون
منتمون
سلبيون ومعارضون لكل نظام قائم ولكل إصلاح
عمليون
وتعود مشكلة التفاهم والتواصل بين الناس في المجتمع الحديث إلى الظهور عند شاعر وكاتب كبير من مواطني موزيل، وهو «هوجو فون هوفمنستال» (1874-1929م) في ملهاته التي سماها «الصعب»،
13
وهذا الصعب أو المتعنت هو الدوق «بول» الذي صور الشاعر في شخصيته طبقة النبلاء النمسويين في القرن الماضي لحظة سقوطهم في الحضيض. وجعله رمزا لكل علامات التدهور والانحلال. ويصبح هذا الدوق العاجز عن اتخاذ قرار حاسم في حياته، الخائف كل الخوف من التعبير عن نفسه بوضوح أو الإقدام على أي فعل أو تحقيق أي اتصال بينه وبين غيره من الناس؛ يصبح رمزا للواقع المتغير من حوله. ونجد البيئة المحيطة به التي لا تكف عن الإلحاح عليه بالفعل والكلام أولى منه بالسخرية وأبعث على الضحك، وإن كان نشاطها لا يؤدي إلا إلى سلسلة من سوء التفاهم شبيهة بما نعرفه من مسرح تشيكوف: إن أكثر ما يشغل بال كارل فون بول هو شكه في قيمة الكلمة وجدواها، إنه يقول لهيلينة ألتنفيل: «مما يبعث قليلا على الضحك أن يتوهم الإنسان في نفسه القدرة على إحداث تأثير كبير عن طريق كلمات محبوكة، في حياة يتوقف فيها كل شيء في نهاية الأمر على آخر الأمور وأعصاها على التعبير، إن الكلام يقوم على تقدير سخيف مبالغ فيه.» ويعمد هوفمنستال في أثناء اللقاء الذي يتم بين بول وهيلينة إلى القضاء على صعوبة التفاهم بينهما في اللحظة التي يهدد فيها هذا التفاهم بأن يصبح شيئا فاجعا وساخرا، ثم يعود فيحقق التوازن في شكل كوميديا اجتماعية تعد من خير الكوميديات التي عرفتها اللغة الألمانية القليلة الحظ من هذا اللون الأدبي. ذلك لأن الكوميديا، كما يقول هوفمنستال لصديقه ومواطنه بورخارت، هي أصعب الفنون الأدبية. فهي قادرة على تصوير أعقد الأمور وأحفلها بالخطر والرهبة في صورة من التوازن المشحون بأقصى طاقة ممكنة، بحيث تثير دائما ذلك الانطباع الذي يوحي بالخفة واللعب.
هنا نجد، مرة أخرى، كيف تمكن المؤلف من التعبير بالشكل الكلاسيكي عن موضوع يتجاوز هذا الشكل وينافيه. وطبيعي أن هذا الموضوع الذي عالجه الكاتب بحيطة وحذر أبعد ما يكون عن ملاءمة الإطار التقليدي للدراما الأرسطية. •••
صفحة غير معروفة