( واعلم) أنه قد أجمع أصحابنا ومن حذا حذوهم ممن منع التكليف بما لا يطاق على منع تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وذلك كما إذا خاطب الله العباد بما هو محتمل لمعان ليس بعضها أظهر من بعض ثم أمرهم بالعمل المراد منه فإنه لا يأمرهم بذلك إلا مع بيان المراد منه، لأن تكليفهم بالعمل المراد منه مع عدم علمهم به مما لا يطاق، وتكليف ما لا يطاق لا يصح عندنا وجوزته الأشعرية، وليست المسألة دينية لأنهم يقولون إن حكمة التكليف بما لا يطاق هي اختبار المكلف هل يتهيأ للامتثال فيثاب أو يتهيأ فيعاقب..؟ ثم رأيت القطب رحمه الله قال: بجواز ذلك واعلم أن أصحابنا والمعتزلة إنما قالوا بمنع التكليف بما لا يطاق نظرا إلى جانب وقوعه لا إلى جانب الاختبار لأن وقوعه ممن لا يطيقه محال، والتكليف بالمحال محال، وما ذكرته هنا من مقالة الأشعرية هو ما صرح به بعض متأخريهم, أما قدماؤهم فلم يقولوا بذلك التفصيل، ولذا صح لأصحابنا والمعتزلة توجيه الرد عليهم في هذه المسألة، واختلفوا هل يصح تأخير البيان إلى وقت الحاجة..؟ المذهب أنه يصح لقوله تعالى ((ثم إن علينا بيانه))([33]) فعطف بثم المقتضية للتراخي وفيه مذاهب آخر. راجع مختصر العدل وشرحه (قوله والرد للمحكم حكم ثاني) أي حكم القسم الثاني من المتشابه وهو ما ظاهره التشبيه رده إلى المحكم لقوله تعالى ((هن أم الكتاب))([34]) وإلى هذا ذهب أصحابنا والمعتزلة ومتأخرو الأشعرية، وذهب سلفهم إلى الإمساك عن تأويله مع القطع بحقية المراد ولذا قال في الجوهرة:
صفحة ٧٣