( واعلم) أن هذا وما بعد تشخيص للكلام المنزل لا تعريف له لأن الكتب من الشخصيات والشخصي لا يعرف أي لا يمكن تعريفه كزيد مثلا فإنك متى قلت إنه رجل طويل عريض كان تشخيصا له لا تعريفا فلا يكمل تمييزه إلا بالإشارة إليه، فكذا الكتب لا يكمل تمييزها إلا بالإشارة إليها وتلاوتها من أولها إلى آخرها، ولذا كان هذا الكلام جامعا غير مانع، فإنه شامل لكل كلام بليغ فيه معان يهتدى بها إلى طريق النجاة (قوله دل بالنظم الأتم) على معان عبر بالنظم لما فيه من حسن التعبير في تشبيه الكلام بنظم اللالي في السلك بخلاف التعبير باللفظ فإنه لغة الطرح ولذا قالوا إن في التعبير به سوء أدب ولأن اللفظ خاص بما عدا الكلام الإلهي قاله الرضي([3]) ووصف النظم بالأتم أي التام بحسب لغة ما أنزل إليهم، وإن كان متفاوتا في الكمال فنظم القرآن معجز بخلاف غيره من الكتب وهل الآية الواحدة منه معجزة للبلغاء والعلماء أو الثلاث الآيات فما فوق باقتصاره تعالى عليها لقوله ((فأتوا بسورة من مثله))([4])..؟ وأقصر السور ثلاث آيات قولان وقيل مجموعة معجز فقط قال القطب رحمه الله تعالى: وهو باطل أقول ووجه بطلانه أن قوله تعالى ((قل فأتوا بعشر سور))([5]) وقوله ((قل فأتوا بسورة مثله))([6]) مشعر بأن الإعجاز بأقصر سورة منه لا بمجموعة فقط ولإعجازه جهات أخر (منها) إيجازه وبلاغته وبيانه وعدم كلال قارئه ومستمعه وخرق العادة في نظمه وإخباره بالغيب وإخباره عما مضى في الأمم الخالية وجمعه علوما لم يجمعها غيره من الكتب من حلال وحرام ومواعظ وأمثال وقصص وصرف الهمة عن معارضته وعارضه قليل فافتضحوا.
صفحة ٥١