وهو أعلا عند مولاه = من أملاك كرام هذا وأنت خبير أن أدلة التفضيل مطلقا ظنية فإنها وأن كانت آيات قرآنية ففيها احتمالات تأويلية، وما كان محتملا لمعنيين فصاعدا ولم يكن ثمة قاطع بإرادة أحد المعاني خاصة، فتلك الاحتمالات متساوية الدلالة وترجيح أحدها على الباقي أو نحو ذلك ترجيح ظني فقط، والظني لا يفيد العلم القطعي، والاعتقاد الجازم ثمرة العلم القطعي لا الظني، فبهذا تعرف أنه ليس المكلف من اعتقاد هذا المعنى شيء ولذا سكت عنه أصحابنا المشارقة رحمهم الله تعالى فلم يذكروه في مؤلفاتهم لاقتصارهم غالبا على بيان اللازم من الاعتقاد، وإنما ذكرناه نحن توسعة للمقام وإطلاعا للطالب وإظهارا للفائدة، وهكذا سبيلنا في المسائل الغير قطعية.
(واعلم) أن الملائكة أجسام لطيفة من نور وقيل من غيره لكنها تضيء كالنور وليست لحما ولا دما ولا عظما، قادرة على التشكل بأشكال مختلفة وهكذا تراهم الرسل. وقالت طائفة من النصارى: إن الملائكة هي أرواح الفضلاء الطيبين من بني آدم الذين ماتوا. قال القطب رحمه الله تعالى: ومن اعتقد هذا حكمنا بإشراكه لقيام الأدلة القاطعة على أن الملائكة ليسوا بذلك من الأحاديث الدالة عن أن بعضها خلق من النور وبعضا من الذكر، ومن اعتقد غير ذلك فهو مخالف للإجماع قال: والواجب أن تعلم أن كل جملة غير الأخرى. الملائكة جملة والجن جملة وبنو آدم جملة، فإذا قلنا الملائكة أرواح الموتى الفضلاء لزم أن يكونوا من بني آدم وأيضا قامت الأدلة أن الملائكة تبعث على حدة فيلزم أن يكون بنو آدم مبعوثين بلا روح أو غير مبعوثين أو مبعوثين بأرواح غير ما كانت فيهم في الحياة الدنيا.
صفحة ٤٠