( اعلم) أن وجود الأنبياء من غير العقلاء ليس مما يستحيل عقلا بل جائز لكنه لم يقع ولو وقع لنقل أما قوله تعالى ((وأوحى ربك إلى النحل))(10)فليس هو من الإيحاء بالنبأ وإنما هو بمعنى الإلهام أي وألهمها ربك أن تتخذ من الجبال بيوتا إلى آخره (قوله والضبط) هو حفظ الشيء بحزم وفي الاصطلاح: سماع الكلام كما يحق سماعه ثم فهم معناه الذي أريد به ثم حفظه ببذل مجهوده والثبات عليه بمذاكراته إلى حين أدائه إلى غيره ا. ه والمراد به ها هنا المعنى اللغوي أي ومما يجب في حقهم أن يكونوا حافظين لما ألقي إليهم من الوحي على سبيل الحزم منهم عن نسيان شيء منه لأن الإهمال مؤد إلى التهاون بأمر الآمر بالتبليغ والتهاون بأمر خالقهم كبيرة وهم معصومون عنها فدليل وجوب الضبط هو دليل وجوب العصمة كما سيأتي إن شاء الله (قوله وكالفطانة) هي التفطن والتيقظ لإلزام الخصوم وإبطال دعاويهم الباطلة والدليل على وجوب الفطانة لهم عليهم الصلاة والسلام آيات كقوله تعالى((وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم))(11) والإشارة عادة إلى ما احتج به إبراهيم على قومه من قوله ((فلما جن عليه الليل)) إلى قوله ((وهم مهتدون))(12) وكقوله تعالى حكاية عن قوم نوح ((يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا))(13) أي خاصمتنا فأطلت جدالنا أو أتيت بأنواعه وكقوله تعالى ((وجادلهم بالتي هي أحسن))(14) أي بالطريق التي هي أحسن بحيث تشتمل على نوع إرفاق بهم ومن لم يكن فطنا بأن كان مغفلا لا تمكنه إقامة الحجة ولا المجادلة (لا يقال) هذه الآيات ليست واردة إلا في بعضهم فلا تدل على ثبوت الفطانة لجميعهم لأنا نقول (ما ثبت لبعضهم من الكمال يثبت لغيره فثبتت الفطانة لجميعهم وإن لم يكونوا رسلا بل أنبياء فقط، فاللائق بمنصب النبوة أن يكون عندهم من الفطانة ما يردون به الخصم على تقدير وقوع جدال منهم ا. ه باجوري.
صفحة ١٥