فإني قريب أي فقل لهم يا أشرف الخلق: إني قريب منهم بالعلم والإجابة أجيب دعوة الداع إذا دعان. قيل: المراد من الدعاء التوبة عن الذنوب لأن التائب يدعو الله تعالى عند التوبة، وإجابة الدعاء: هو قبول التوبة، وقيل: المراد من الدعاء العبادة.
قال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة»
. «1» ومما يدل على ذلك قوله تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين [غافر: 60] . وقرأ أبو عمرو وقالون عن نافع «الداعي إذا دعاني» بإثبات الياء فيهما في الوصل. والباقون بحذفها على الوصل في الأولى وعلى التخفيف في الثانية فليستجيبوا لي أي فلينقادوا لي وليستسلموا لي وليؤمنوا بي وهذا الترتيب يدل على أن العبد لا يصل إلى نور الإيمان وقوته إلا بتقدم الطاعات والعبادات لعلهم يرشدون (186) أي يهتدون لمصالح دينهم ودنياهم إذا استجابوا لي وآمنوا بي وسبب نزول هذه الآية قيل: إن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقريب ربنا فندعوه سرا أم بعيد فندعوه جهرا؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروي عن قتادة وغيره: أن الصحابة قالوا: كيف تدعو ربنا يا نبي الله أي أبالمناجاة أو بالمناداة؟ فأنزل الله هذه الآية. وقال عطاء وغيره: إنهم سألوا في أي ساعة ندعو الله فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال الحسن: سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أين ربنا؟. وقال ابن عباس: إن يهود أهل المدينة قالوا: يا محمد كيف يسمع ربك دعاءنا؟ فنزلت هذه الآية. أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم أي المجامعة مع نسائكم. قال المفسرون: كان في أول شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إذا أفطر الصائم حل له الأكل والشرب والوقاع بشرط أن لا ينام، ولا يصلي العشاء الأخيرة. فإذا فعل أحدهما بأن نام أو صلى العشاء حرم عليه هذه الأشياء إلى الليلة القابلة. فواقع عمر بن الخطاب أهله بعد صلاة العشاء فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم واعتذر إليه، فقام رجال واعترفوا بالجماع بعد العشاء فنزلت هذه الآية ناسخة لتلك الشريعة: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن هذا مبين لسبب إحلال الوقاع وهو صعوبة اجتنابهن وستر أحدهما الآخر عن الفجور. علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم أي تظلمونها لأنكم تسرون بالمعصية في الجماع بعد صلاة العتمة والأكل بعد النوم فتاب عليكم أي قبل توبتكم وعفا عنكم أي محا ذنوبكم ولم يعاقبكم في الخيانة فالآن أي حين أحل لكم باشروهن أي جامعوهن وابتغوا ما كتب الله لكم أي اطلبوا ما وضع الله لكم بالنكاح من التناسل وقصد العفة أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها وقيل: هذا نهي عن العزل.
صفحة ٦٢