فالذي تغير من نظام الأسر في العصر الحديث إنما هو عدد الدول في العالم، واضطرارها إلى التهادن والتعاقد بينهما فترات أطول من الفترات الأولى بين الدول القليلة الغابرة، وما كان نظام الرق ليتغير كثيرا أو قليلا، لو بقيت الدولة الواحدة غالبة على العالم، أو بقيت فيه الدولتان على عداء لا هوادة فيه.
فلما ظهر الإسلام جاء بالعتق ولم يجئ بالرق، وسبق التطور الدولي إلى تقرير فك الأسرى عند الأعداء، وتقرير المن بتسريح الأسرى عنده، وصنع خير ما يصنعه الشارع في ذلك الزمن، فإنه الصنيع الذي لم تلحقه حضارة القرن العشرين بما هو أكرم منه وأجدى.
فمن الحسن في شريعة القرآن إطلاق الأسير أو قبوله فدائه:
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها [محمد: 4].
وإذا أراد الأسير أن يفتدي نفسه بأجره من عمل يعمله، حسن بمالكه أن يقبل منه ذلك وأن يعينه بماله، وما آتاه الله من كسبه:
والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [النور: 33].
وفرض الإسلام العتق كفارة لذنوب كثيرة، فمن ظاهر من زوجته - أي قال لها: إنها حرام عليه كظهر أمه - فلا يتحلل من ظهاره إلا بتحرير رقبة يملكها:
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا [المجادلة: 3].
ومن حنث في يمينه فكفارة اليمين صدقة بالمال أو صدقة بالتحرير:
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة [المائدة: 89].
صفحة غير معروفة