ومتى بلغ هذا الاحتجاز الجنسي مبلغه الذي قصدت إليه الطبيعة، فقد بلغت الأخلاق الأنثوية غايتها، ولم يبق منها ما يلتبس بالحياء في صورته ولا في معناه.
ومن ضلال الفهم أن يخطر على البال أن الحياء صفة أنثوية، وأن النساء أشد استحياء من الرجال. فالواقع - كما لاحظ شوبنهور - أن المرأة لا تعرف الحياء بمعزل عن تلك الغريزة العامة، وأن الرجال يستحون حيث لا يستحي النساء، فيستترون في الحمامات العامة، ولا تستتر المرأة مع المرأة إلا لعيب جسدي تواريه.
ولم يكن عمر بن أبي ربيعة مبالغا حين قال: إن الوجوه يزهوها الحسن أن تتقنع. بل هو لو شاء لقال عن الأجسام ما قال عن الوجوه
1
فلا تستر الأنثى الفطرية شيئا يمكنها أن تبديه، إذا كان عرضه مجلبة للنظر والاستحسان، ومن شهد الحمامات العامة على شواطئ البحر رأى كيف تهمل الأكسية ذات الرفارف المسبلة، ليبدو للأنظار ما استتر من محاسن الأجسام.
فالخلق الذي تتحلى به المرأة بداهة هو خلق الغريزة الذي يوشك أن يشمل إناث الحيوان.
وكل خلق «إرادي» تتخلق به بعد ذلك فهو فريضة عليها من الرجال، تجاريهم فيه على ديدن المحاكاة والمطاوعة، سواء فهمته أو جهلت كنهه ومرماه؛ ولهذا يكثر في النساء من يتقيدن بالعرف القديم؛ لأن قوام العرف القديم عادات ومصطلحات هي أقرب إلى الغريزة الآلية من فضائل الفهم والإرادة، ويندر بينهن جدا من تتحدى العرف بفضيلة واحدة من فضائل الاختيار.
جرى حديث متنقل في مجلس يضم رهطا من الرجال والنساء على قسط شائع من التعليم والعرف والآداب الخلقية، فانساق الحديث إلى سيرة رجل يتجاوز الخمسين ذاع عنه أنه يستدرج الفتيات الغريرات إلى داره فيلهو بهن ويظهر معهن في المحافل العامة، ويدفعهن إلى سهرات العبث والمجون، فكان النساء أقل من حضر المجلس اشمئزازا من سيرة ذلك الخليع. كأنهن لا يرين نقصا في رجل من الرجال بعد أن تكمل له تلك الفحولة الحيوانية، أو كأنهن لا يصدقن أن الفتيات الغريرات يسقطن في شراكه مخدوعات مغلوبات على مشيئتهن، ولكنهن راضيات مسرورات بما أتيح لهن من فرص المتعة والابتهاج.
وكل ما بدا عليهن بعد ذلك من الاشمئزاز فقد سرى إليهن مستعارا ممن كان بالمجلس من الرجال، فقد كانوا في هذا المجتمع الخاص، كما كانوا في المجتمع العام كله «مصدر السلطات على حد قولهم» في لغة الدساتير.
ومتى سقط سلطان الرجال في الأمة سقط معه سلطان الأخلاق سواء منها أخلاق العرف وأخلاق الإرادة.
صفحة غير معروفة