الأخلاق الاجتماعية
تتجلى حكمة القرآن الكريم في النص على قوامة الرجال من أحوال المجتمع، كما تتجلى من أحوال الأسرة أو أحوال الصلة الزوجية بين الذكر والأنثى؛ أي بين الرجل والمرأة في نوع الإنسان.
فالأخلاق في المجتمعات الإنسانية عامة مصلحة دائمة، وضرورة لا قوام لمجتمع بغيرها على صورة من صورها. وهذه الضرورة لم يكن في مجتمعات الناس ما يكفيها إن لم تكفها قوامة الرجال، فإن الرجال هم مرجع كل عرف مصطلح عليه في الأخلاق، سواء منها أخلاق الذكور وأخلاق الإناث، ولم يؤثر عن المرأة قط أنها كانت مرجعا أصيلا لخلق من الأخلاق لم تتلقه من الرجال، ولم تتجه به إليهم، ولا استثناء في ذلك للصفات التي نعدها من أخص الصفات الأنثوية، ومن أقربها إلى طبيعة المرأة ، وأبرزها في هذه الخاصة صفات الحياء والحنان والنظافة.
وكان من السائغ عقلا أن تنشئ المرأة خلائق العرف كله؛ لأنها تتسلم النوع منذ نشأته في الأرحام، إلى أيام نموه بين الحجور والمهود، وتتولى حضانته البيتية إلى أيام المراهقة، ثم تتسلمه قرينا بعد أن تسلمته ابنا متدرجا في تكوينه إلى تمام هذا التكوين، كما يتم في دور المراهقة فدور الشباب.
كان هذا هو السائغ عقلا، لو كان في المرأة استعداد مستقل لتكوين القيم الأخلاقية، وإنشاء العرف والاصطلاح، ولو في بواكيره الأولى؛ إذ هي قادرة في دور الحضانة على بث البذور الخلقية في العادات والمبادئ مهما يكن من ضغط الرجل عليها.
غير أن الواقع المتكرر في المجتمعات الإنسانية كافة، أن المرأة تتلقى عرفها من الرجال، حتى فيما يخصها من خلائق الحياء والحنان والنظافة كما تقدم.
فهي إنما تستحي لأنها تتلقى خليقة الحياء من الطبيعة، أو من إملاء الرجال عليها. •••
وحياء المرأة الذي تتلقاه من الطبيعة أنها تخجل من مفاتحة الرجل بدوافعها الجنسية، وتنتظر المفاتحة من جانبه، وإن سبقته إلى الحب والرغبة. وشأنها في ذلك كشأن جميع الإناث في جميع أنواع الحيوان، فإنها تنتظر ولا تتقدم، أو تتعرض ولا تهجم، ويمنعها أن تفعل ذلك مانع من تركيب الوظيفة لا يصدر عن وازع أخلاقي، ولا عن أدب من آداب السلوك. إذ كان مانعا يتساوى فيه الحيوان العاقل وغير العاقل، كما يتساوى فيه النوع الذي ينقاد للغريزة وحدها، والنوع الذي يراض على سنة من سنن الحياة الاجتماعية، فإنما خلق تركيب الأنثى للاستجابة ولم يخلق للابتداء والإرغام، وسر هذا الخلق أن تزويد الأنثى بوظيفة الابتداء والإرغام عبث مضيع لغاية النوع، متى شغلت بالحمل والرضاع، كما تشغل بهما حسب استعدادها في معظم الأوقات.
وهذا الحياء الطبيعي لا يحسب من القيم الخلقية التي تريدها المرأة، وتمليها على نفسها وعلى غيرها، ولكنه عمل من أعمال التكوين يصطبغ بالصبغة الخلقية، كلما وافقت آداب الاجتماع.
وإنما يحسب من القيم الخلقية ذلك الحياء الذي تمليه الآداب، ويتصل بالإرادة والاختيار، لا فرق في ذلك بين الإرادة الجامعة وإرادة الأفراد المتفرقين.
صفحة غير معروفة