* الوداع الثاني
ثم إنه (عليه السلام) ودع عياله ثانيا ، وأمرهم بالصبر ولبس الأزر وقال : «استعدوا للبلاء ، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم ، وسينجيكم من شر الأعداء ، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذب عدوكم بأنواع العذاب ، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة ، فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم» (2).
حقا لو قيل بأن هذا الموقف من أعظم ما لا قاه سيد الشهداء في هذا اليوم (3)؛ فإن عقائل النبوة تشاهد عماد أخبيتها وسياج صونها وحمى عزها ومعقد شرفها مؤذنا بفراق لا رجوع بعده ، فلا يدرين بمن يعتصمن من عادية الأعداء ، وبمن
وهناك شيء آخر لاحظه سيد الشهداء وكانت العرب تتفانى دونه ، وهو حماية الحرم بأنفس الذخائر ، وأبو عبد الله سيد العرب وابن سيدها فلا تفوته هذه الخصلة التي يستهلك دونها النفس والنفيس. ولما ناداه الرجل هتكت الحرم لم يشرب الماء ؛ إعلاما للجمع بما يحمله من الغيرة على حرمه ، ولو لم يبال بالنداء لتيقن الناس فقدانه الحمية العربية ولا يقدم عليه أبي الضيم حتى لو علم بكذب النداء ، وفعل سيد الإباة من عدم شرب الماء ولو في آن يسير هو غاية ما يمدح به الرجل.
صفحة ٢٧٦