يقضي من ثمن سيفه ودرعه دينا استدانه منذ دخل الكوفة يبلغ ستمئة درهم (1) ، وأن يستوهب جثته من ابن زياد ويدفنها ، وأن يكتب إلى الحسين بخبره. فقام عمر بن سعد إلى ابن زياد وأفشى كل ما أسره إليه فقال ابن زياد : لا يخونك الأمين ، ولكن قد يؤتمن الخائن (2).
ثم التفت ابن زياد إلى مسلم وقال : أيها يابن عقيل ، أتيت الناس وهم جمع ففرقتهم ، قال : كلا ، لست أتيت لذلك ، ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعوا إلى حكم الكتاب.
قال ابن زياد : ما أنت وذاك أو لم نكن نعمل فيهم بالعدل؟ فقال مسلم : إن الله ليعلم إنك غير صادق ، وإنك لتقتل على الغضب والعداوة وسوء الظن ، فشمته
ثم انه لم تخف على شهيد القصر مسلم (عليه السلام) نفسية عمر بن سعد ولم يجهل دنس أصله ولكنه أراد ان يعرف الكوفيين مبلغه من المروءة والحفاظ كي لا يغتر به احد ، وهناك سر آخر وهو ارشاد الملأ الكوفي إلى أن أهل البيت (عليهم السلام) وولاتهم لم يقصدوا الا الاصلاح ونشر الدعوة الإلهية وهذا الوالي من قبلهم لم يمد يده الى بيت المال وكان له ان يتصرف فيه كيف شاء غير انه قضى أيامه البالغة أربعا وستين بالاستدانة وهكذا ينبغي أن تسير الولاة فلا يتخذون مال الفقراء مغنما ... ولقد ذكرني هذا (الخائن) بقصة خالد القسري على كتمان السر لأنه من شيم العرب واخلاق الاسلام مع ما يحمله من المباينة لنبي الاسلام (صلى الله عليه وآله) وشتم سيد الأوصياء على المنابر وقوله فيه ما لا يسوغ لليراع ان يذكره وذلك أن الوليد بن عبد الملك أراد الحج فعزم جماعة على اغتياله وطلبوا من خالد المشاركة معه فأبى ، فقالوا له اكتم علينا ، فأتى خالد الوليد وقال له دع الحج هذا العام فاني خائف عليك قال الوليد من الذين تخافهم علي؟ سمهم لي ، فامتنع أن يسمهم وقال : اني نصحتك ولن اسمهم لك فقال اني ابعث بك الى عدوك يوسف بن عمر قال : وان فعلت فلن اسمهم فبعث به الى يوسف فعذبه ولم يسمهم فسجنه ثم وضع على صدره المضرسة فقتل سنة 126 ه عن ستين سنة ودفن بناحية ، وعقر عامر بن سهل الأشعري فرسه على قبره فضربه يوسف سبعمائة سوط ولم يرثه احد من العرب على كثرة أياديه عندهم الا ابا الشغب العبسي قال :
تهذيب ابن عساكر ج 5 ص 79.
صفحة ١٦٢