المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

أبو حامد الغزالي ت. 505 هجري
31

المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

محقق

بسام عبد الوهاب الجابي

الناشر

الجفان والجابي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٧ - ١٩٨٧

مكان النشر

قبرص

وَالنَّار عبارَة عَن أَسبَاب مؤلمة وَلَو فَرضنَا شخصا لم يُقَاس قطّ ألما لم يمكننا قطّ أَن نفهمه النَّار فَإِذا قاساه فهمناه إِيَّاه بالتشبيه بأشد مَا قاساه وَهُوَ ألم النَّار وَكَذَلِكَ إِذا أدْرك شَيْئا من اللَّذَّات فغايتنا أَن نفهمه الْجنَّة بالتشبيه بأعظم مَا ناله من اللَّذَّات وَهِي الْمطعم والمنكح والمنظر فَإِن كَانَ فِي الْجنَّة لَذَّة مُخَالفَة لهَذِهِ اللَّذَّات فَلَا سَبِيل إِلَى تفهيمه أصلا إِلَّا بالتشبيه بِهَذِهِ اللَّذَّات كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي تَشْبِيه لَذَّة الوقاع بحلاوة السكر ولذات الْجنَّة أبعد من كل لَذَّة أدركناها فِي الدُّنْيَا من لَذَّة الوقاع عَن لَذَّة السكر بل الْعبارَة الصَّحِيحَة عَنْهَا أَنَّهَا مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر فَإِن مثلناها بالأطعمة قُلْنَا مَعَ ذَلِك لَا كهذه الْأَطْعِمَة وَإِن مثلناها بالوقاع قُلْنَا لَا كالوقاع الْمَعْهُود فِي الدُّنْيَا فَكيف يتعجب المتعجبون من قَوْلنَا لم يحصل أهل الأَرْض وَالسَّمَاء معرفَة من الله تَعَالَى إِلَّا على الصِّفَات والأسماء وَنحن نقُول لم يحصلوا من الْجنَّة إِلَّا على الصِّفَات والأسماء وَكَذَلِكَ فِي كل مَا سمع الْإِنْسَان اسْمه وَصفته وَمَا ذاقه وَمَا أدْركهُ وَلَا انْتهى إِلَيْهِ وَلَا اتّصف بِهِ فَإِن قلت فَمَاذَا نِهَايَة معرفَة العارفين بِاللَّه تَعَالَى فَنَقُول نِهَايَة معرفَة العارفين عجزهم عَن الْمعرفَة ومعرفتهم بِالْحَقِيقَةِ أَنهم لَا يعرفونه وَأَنه لَا يُمكنهُم الْبَتَّةَ مَعْرفَته وَأَنه يَسْتَحِيل أَن يعرف الله الْمعرفَة الْحَقِيقِيَّة المحيطة بكنه صِفَات الربوبية إِلَّا الله ﷿ فَإِذا انْكَشَفَ لَهُم ذَلِك انكشافا برهانيا كَمَا ذَكرْنَاهُ فقد عرفوه أَي بلغُوا الْمُنْتَهى الَّذِي يُمكن فِي حق الْخلق من مَعْرفَته وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الصّديق الْأَكْبَر أَبُو بكر ﵁ حَيْثُ قَالَ الْعَجز عَن دَرك الْإِدْرَاك إِدْرَاك بل هُوَ الَّذِي عناه سيد الْبشر صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه حَيْثُ قَالَ لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على

1 / 54