(أحدهما): أن يكون خيرا فى نفسه ومعناه أن يكون الشىء موجودا ويوجد معه كماله فاذا كان الخير هذا فالشر فى مقابلته عدم الشىء أو عدم كماله فالشر لا ذات له ولكن الوجود هو خير محض والعدم شر محض وسبب الشر هو الذى يهلك الشىء أو يهلك كمالا من كمالاته فيكون شرا بالاضافة إلى ما أهلكه.
(والآخر): أن الخير قد يراد به من يصدر منه وجود الأشياء وكمالها والأول خير محض بهذا المعنى إلا أن الأشياء بهذا الاعتبار أربعة أقسام.
(الأول): ما هو خير محض لا يتصور أن يصدر منه شر.
(والثانى): ما هو شر محض لا يمكن أن يكون منه خير.
(والثالث): ما يوجد منه الخير والشرولكن الخير ليس بأغلب.
(والرابع): ما يكون منه الخير أغلب.
(أما الأول): فقد فاض من الأول وهى الملائكة فانها أسباب للخيرات لا يكون منها شر.
(وأما الثانى): لم يوجد منه وهو ما لا يتصور أن فيه خير بل هو شر محض.
(وأما الثالث): فهو الذى غلب فيه الشر فحقه أن لا يوجد أيضا إذ احتمال الشر الكثير لأجل الخير القليل شر وليس بخير.
(وأما الرابع): فينبغى أن يوجد وذلك مثل النار مثلا فان فيها قواما عظيما للعالم إذ لو لم تخلق لاختل نظام العالم وعظم الشر فى اختلاله ولو خلق لكان لا محالة يحترق ثوب الفقير لو انتهى اليه بمصادمات الأسباب وكذلك المطر إن لم يخلق بطلت الزراعة وخرب العالم ولو خلق فلا بد أن يخرب سطح بيت العجوز إذا نزل عليه وليس يمكن خلق مطر يميز فى نزوله بين موضع وموضع فلا يقع على السطوح ويقع على الزرع الذى فى جواره فان هذا فعل من مختار وصورة الماء بمجردها من غير امتزاج لا تقبل صورة الحياة ولو مزج بغيره وجعل حيوانا لكان لا يحصل منه فائدة الماء بكمالها كما لم يحصل من هذه الحيوانات فالمفيد للخير بين أن يخلق المطر لخير العالم ولا يعبأ بالشر النادر الذى يتولد منه ويلزمة بالضرورة وبين أن لا يخلق المطر ليصير الشر عاما وإذا قوبل هذا بذلك علم قطعا إن الخير فى أن يخلق ومن هذا خلق.
صفحة غير معروفة