(الأول): القول فى الأجسام التى هى فى مقعر فلك القمر وكيفية دلالتها على وجود السموات وحركاتها.
(والثانى): فى السموات وسبب حركاتها.
(والثالث): القول فى النفوس والعقول التى يعبر عنها بالملائكة الروحانية السماوية والكروبيين.
أما المقدمة ففيها تقسيمات ثلاث.
(الأول): إن الجواهر الموجودة باعتبار التأثر والتأثير تنقسم فى العقل بحسب الامكان الى ثلاثة أقسام مؤثر لا يتأثر ويعبر عنه اصطلاحا بالعقول المجردة وهى جواهر ليست منقسمة ولا مركبة ومتأثر لا يؤثر وهى الأجسام المتحيزة المنقسمة ومؤثر متأثر يتأثر من العقول ويؤثر فى الأجسام وتسمى النفوس وهى أيضا لا تتحيز وليست بجسم وأشرف الأقسام العقول التى لا تتغير ولا تحتاج الى استعارة أثر وكمال من غيرها فكمالها حاضر معها وليس فيها شىء بالقوة وأخسها الأجسام المستحيلة المتغيرة وأوسطها النفوس التى هى واسطة بين العقول والأجسام والنفوس تتلقى من العقول أثرا وتفيض على الأجسام أثرا وهذه أقسام يقضى العقل بامكانها أما وجودها فيحتاج الى برهان* نعم الأجسام معلومة الوجود بالحس وأما النفوس فيدل عليها حركات الأجسام وأما العقول فيدل عليها النفوس كما سياتي.
(تقسيم ثانى): الموجودات باعتبار النقصان والكمال تنقسم الى ما هو بحيث لا يحتاج الى أن يمده غيره ليكتسب منه وصفا بل كل ممكن له فهو موجود له حاضر ويسمى تاما والى ما لا يحضر معه كل ممكن له بل لا بد من أن يحصل له ما ليس حاصلا وهذا يسمى ناقصا قبل حصول التمام له ثم الناقص ينقسم الى ما لا يحتاج الى أم خارج من ذاته حتى يحصل له ما ينبغى أن يحصل وهذا يسمى مكتفيا والى ما يحتاج اليه ويسمى الناقص المطلق* وأما التام فان كان قد حصل له ما ينبغى وكان بحيث يحصل لغيره منه أيضا يسمى فوق التمام لأنه فى نفسه تام وكأنه فضل منه لغيره.
(تقسيم ثالث للأجسام خاصة): قد سبق أن الأجسام أخس أقسام الموجودات وهومنقسم إلى بسيط وإلى مركب أعنى انقساما فى العقل بالامكان وإن كان فى الوجود أيضا هوكذلك ونعنى بالبسيط الذى له طبيعة واحدة كالهواء والماء وبالمركب الذى يجمع طبيعتين كالطين المركب من الماء والتراب وقد يحصل بالتركيب فائدة ليس فى البسائط كفائدة الحبر فانها لا توجد فى العفص والزاج ولكن البسيط هو أصل المركب وهو متقدم عليه فى الوجود لا محالة بالرتبة وبالزمان والبسيط بالقسمة العقلية أيضا ينقسم إلى ما يتأتى منه التركيب وإلى ما لا يتأتى ونعنى بما يقبل التركيب هو الذى يحصل من تركيبه فائدة ليست فى بسائطه والذى لا يتركب هو الذى وجد كما له فى بساطته فلا يتصور زيادة عليه فى تركيبه فاذا تمهدت هذه المقدمات فلنرجع إلى الركن الأول وهو القول فيما يدل عليه الأجسام السفلية فنقول وجود الأجسام تحت مقعر فلك القمر معلوم بالمشاهدة وهى قابلة للتركيب فان الطين مثلا مركب من الماء والتراب فنقول هذا التركيب المشاهد يدل على وجود الحركة المستقيمة وتدل الحركة من حيث مسافتها على ثبوت جهتين محدودتين مختلفتين بالطبع ويدل اختلاف الجهتين على وجود جسم محيط بها وهو السماء وتدل الحركة من حيث حدوثها على أن لها سببها ولسببها سببا إلى غير النهاية فلا يمكن ذلك إلا بحركة السماء حركة دورية وتدل الحركة أيضا فى الجسم على ميل فيه طبيعى وعلى طبع محرك وعلى زمان فيه الحركة* فلنذكر وجه هذه الدلالات واللوازم.
(فاللازم الأول): من التركيب الحركة المستقيمة ووجهه (فاللازم الأول): من التركيب الحركة المستقيمة ووجهه أن الماء له حيز والتراب له حيز وكل واحد طبيعى إذ لا بد لكل جسم من مكان طبيعى كما سيأتى في الطبيعيات فلا يحصل التركيب إلا بحركة أحدهما إلى حيز الآخر إذ لو لازم كل واحد حيزه لبقيا متجاوزين غير مركبين فهذا ظاهر فاذا العقل يقضى قبل النظر فى الوجود إلى أنه إن كان فى الوجود تركيب من بسيطين فلا يمكن إلا بحركة مستقيمة وإن كانت حركة فلا يمكن إلا عن جهة وإلى جهة فيحتاج إلى جهتين وهذا ظاهر فلا بد أن يكون محدودتين ومختلفتين بالطبع أما اختلافهما بالطبع والنوع فانما يلزم من حيث إن الحركة إما أن تكون طبيعية أو قسرية كما سيأتى فالطبيعة كحركة الحجر إلى أسفل وهى توجب أن يكون الحيز الذى يتركه مخالفا للذى يطلبه إذ لو تشابها لاستحال أن يهرب من أحدهما ويطلب الآخر ولهذا لا يتحرك الحجر طبعا على وجه الأرض إذ بسيط الأرض متشابه فى حقه فبالضرورة ينبغى أن تكون الجهة المهروب عنها مخالفة للجهة المطلوبة المقصودة وإن كانت قسرية كحركة الحجر الى فوق فمعنى القسرية أن يكون على خلاف الطبع فينبغى أن يكون فيه ميل طبيعى الى جهة دون جهة حتى يتصور القسر وكل قسر فهو مرتب على الطبع وقد بان أن الميل الطبيعى الى جهة دون جهة يوجب بالضرورة اختلاف الجهتين* وأما كونهما محدودتين فمعناه أن جهة السفل مثلا ينبغى أن يكون لها مردا اذا انتهى اليه انقطع فيكون منقطعه حده ونهايته وكذا جهة العلو وذلك لأدلة ثلاثة.
(أحدها): أن الجهة إنما تكون فى بعد لا محالة يشار اليه باليد إشارة حسية إذ الأمرالعقلى الذى لا إشارة اليه لا يتصور أن يكون فيه حركة الجسم وقد ذ كرنا أن بعدا بلا نهاية محال فرض فى الخلاء أو فى الملاء.
(الثانى): أن المفهوم من الجهة يقتضى أن يكون إلى حد معين فاذا قلت ينبغى أن يشير إلى جهة الشجر أو الجبل أو الشرق أو الغرب فينبغى أن يكون الشجر الذى الجهة جهته مشارا اليه وكل ما لا ينتهى اليه سلوك فلا إشارة اليه وما لا إشارة اليه فلا جهة له* نعم يكون الشجر مردا واحدا لجهة الشجر فان فرض البعد بينك وبين الشجر غير متناه لم يتصور الاشارة اليه وكذلك إذا قلت جهة السفل اقتضى أن يكون للسفل مردا واحدا معينا ينتهى اليه أسفل السافلين وأن يكون للعلو كذلك وإلا فلو تمادت إلى غير نهاية لم يمكن اليها إشارة البتة.
صفحة غير معروفة