«القاضي الإمام العلامة الفقيه المحدث الحافظ فخر العلماء، كان صادقًا ثبتًا خيرًا دينًا، من أوعية العلم، يدري الفقه ويقرره، وعلم الحديث ويحرره، والأصول ويقربها، والعربية ويحققها».
ويكفي دليلًا على علم هذا الرجل أنه كان الوحيد من بين علماء عصره الذي تصدى لابن تيمية - على عنفه وشدته - ورد عليه في مسألتي الطلاق، وزيارة قبر النبيّ ﵊، وهما المسألتان اللتان زعزع بهما ابن تيمية كيان العلماء في عصره. فرد عليه الإمام السبكي في مسألة الطلاق برسالتين: رافع الشقاق في مسألة الطلاق، والتحقيق في مسألة التعليق. ورد عليه في الزيارة برسالة شفاء السقام في زيارة خير الأنام، أو شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة.
ويقول فيه ابن تيمية: «لقد برز هذا على أقرانه». وقد نبغ صاحبنا تاج الدين في منتصف القرن الثامن الهجري - عصر الموسوعات العلمية - هذا العصر الذي كان بمثابة الصحوة الفارهة بعد النكسة التي أصابت العالم الإسلامي، والتي كادت تأتي على تراثه الضخم العريض، إبان الغزو التتري الكاسح.
وقد ولد تاج الدين بالقاهرة، ونسب إلى قرية سبك من أعمال المنوفية. ولم ينصرف الفتى في صباه إلى اللهو واللعب، كما يفعل لداته وأترابه، فقد هدهد سمعه في سن تفتحه وفود العلماء، تفد إلى بيت أبيه، تنشد العلم وتطلب الفتيا. فأقبل على ألوان المعرفة يحصلها على مهل واتئاد، حتى اكتملت له أدوات العالم المجتهد. وكان مجلى هذه الثقافة الواسعة العريضة في نهاية الشوط موسوعة علمية ضخمة، لمت أطراف الثقافة العربية، وجلتها على نحو معجب خلاب، على امتداد سبعة قرون في كتابه الخالد: «طبقات الشافعية الكبرى».
لقد انفسخ هذا الكتاب العظيم من خلال ترجمته لرجال المذهب الشافعي - لكثير من المباحث الفقهية والفتاوى الشرعية، والمقالات، والمناظرات، والنوادر
1 / 48