ودنياهم، وأن الاختيار له وليس لهم عليه اختيار، إلا أن اختياره لهم في دنياهم أصوب من اختيارهم لهم، فقال سبحانه: { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } [القصص: 68]، فاخبر أنه ليس لأحد أن يختار غير ما قضى، وأن الخيرة في قضائه وقدره، فلو قضى على قوم أن يكفروا كما زعم الجاهلون لم يكن لهم أن يختاروا غير ذلك، تعالى عما يصفون. وقال: { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن } [المؤمنون: 71]، فأخبر أن تدبيره لو كان على ما يهوى العباد لفسدت الدنيا، وأنه لا يكون صلاح الدنيا وصلاح أهلها إلا بما دبر لهم وخلق وقضى وقدر واختار. وليس في الكفر والمعاصي صلاح ولا منفعة، ولا خير في دنيا ولا آخرة، فبين بذلك أنها ليست من اختيار الله لخلقه؛ لأنها فساد في الدين، وسوء تدبير، وفاعلها ملوم مذموم، وهذا دليل على أنها من فعل المخلوقين لا من فعل رب العالمين. وقال تعالى:{ والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى } [الضحى: 1 -4]، فاخبر أن الآخرة في وقت وفاة النبي عليه السلام كانت خيرا له من الدنيا وما فيها، وبقاه ما كانت الحيوة خيرا له، وتوفاه حين كانت الوفاة خيرا له، لذلك قال: { وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى } [الضحى: 4 - 7]. فعلمنا بهذه الآيات ونحوها أن نظر الله لخلقه أحسن من نظرهم لأنفسهم، وأن ما صنع الله هو خير، وما قضى ففيه الصلاح، وأنه لا يفعل بعباده إلا ما فيه لهم الصلاح والسداد والرشاد، وأنه يتعالى عما يصفه به الجاهلون من ذلك علوا كبيرا.
صفحة ٢٢٧