تأكيد الحتمية هو الذي يمكن من حساب الاحتمالات
إن الذي يبقي على الاعتقاد بحقيقة الصدفة (بمعنى غياب العلة) هو تفسير باطل لحساب الاحتمالات. والمقصود بحساب الاحتمالات مجموعة من المبادئ الرياضية تسمح بتحديد فرص وقوع حادث اتفاقي. فيبدو إذن، لأول وهلة، أن الرياضة ذاتها تبرر الصدفة، ما دامت تقيسها. وسنرى أن الأمر على خلاف ذلك تماما، وأن حساب الاحتمالات ليس حسابا للصدفة؛ بل هو على العكس من ذلك حسب لحتمية مجهولة جزئيا، عن طريق عناصر منها نستطيع معرفتها.
فلندرس تطبيق هذا الحساب على الألعاب التي تعتمد على الصدفة. ولنسلم أولا بقواعد اللعب (52 ورقة، أربعة لاعبين، 13 ورقة للاعب مثلا). ولنحسب عدد التأليفات الممكنة كلها - وفي الرياضة فرع يسمى بالحساب التأليفي
combinatoire
يمكن من القيام بهذا الحساب - ثم نبحث من بين هذه التأليفات عن تلك التي تؤدي إلى نتيجة معينة (كوجود ثلاثي الآس لدى لاعب واحد مثلا) ثم نحدد عددها هي الأخرى، ونبين نسبة هذا العدد الأخير إلى العدد الكلي، وتسمى تلك باسم نسبة احتمال اللعبة المذكورة (كثلاثي الآس مثلا) فلنفرض أن هذه النسبة تدون على النحو أ/ب. عندئذ نقول: إن هناك من الفرص أ/ب في أن يجد اللاعب ثلاثي الآس بين أوراقه، وكلمة «فرص» ليست لها أية دلالة سحرية؛ بل تعني «نسبة التأليفات» فحسب، وليس في وسع هذه النسبة أن تتنبأ بما إذا كان اللاعب سوف يهتدي إلى ثلاثي الآس في الدورة القادمة من ألعابة؛ بل هي لا تسمح بأن نعلم بعد كم من الدورات سوف يهتدي اللاعب إليه، ولكن إذا ما لعب عددا كبيرا جدا من الدورات، فإن النسبة الفعلية والنسبة النظرية تتطابقان، وذلك هو ما يسمى ب «قانون الأعداد الكبيرة».
وعلى ذلك، فحساب الاحتمالات يفترض حتمية حقيقية وراء الصدفة الظاهرية، وهو يطبق على الطبيعة كلما أعوزتنا معرفة الحتمية المفصلة، لأن العوامل المقومة للحتمية صغيرة إلى حد كبير، أو تؤثر تأثيرا سريعا جدا، وإن كنا نعرف القانون الذي تخضع له. فكتلة الغاز المحصورة في قنينة من الزجاج تتكون من عدد كبير من الجسيمات، ولا يمكننا الاهتداء إلى حركة كل من هذه الجسيمات، لأننا لا نعلم تفاصيلها، وإن كنا نعرف قانونها، ففي وسعنا أن نعلم الطريقة التي سوف تتجمع بها كل القيم الممكنة للتفاصيل لتكون كلا، وأن نحسب المجموع الكلي، وهذا المجموع هو الصدمة الكلية على جدران القنينة، وما ينتج عنها من ضغط وذلك هو ما تقوم بحسابه «النظرية الحركية للغاز» التي وضعها كل من «جبس
Gibbs » و«بولتزمان
Boltzmann » في سنة 1870م.
المبدأ الثاني الذي تستلهمه الروح العلمية، هو مبدأ النسبية
إن الحتمية هي حقا مبدأ العلم، ومحور الحتمية هو فكرة الضرورة، ولكن نظرا لعدم وجود الجبرية، فإن الضرورة لا تتعلق بالحوادث ذاتها إذا شئنا الدقة، وإنما بالشروط التي تحيط بها، وبعلاقاتها. فهي إذن «نسبية» أعني أنها صفة للعلاقات، لا للحوادث ذاتها.
صفحة غير معروفة