أبو الهذيل: محمد بن الهذيل العبدي «1»، قال صاحب المصابيح: كان نسيج وحده، وعالم دهره، ولم يتقدمه احد من الموافقين له ولا من المخالفين، وكان يلقب بالعلاف، لأن داره بالبصرة كانت في العلافين، وهذا كما قيل، أبو سلمة الحذاء، وأبو سعيد المقبري، كما مر. وحكي عن يحيى بن بشر: أن لأبي الهذيل ستين كتابا، فى الرد على المخالفين في دقيق الكلام وجليله، وأخذ العلم عن عثمان الطويل، وكان ابراهيم النظام من أصحابه. ثم خرج الى الحج، وانصرف على طريق الكوفة ، فلقي بها هشام بن الحكم وجماعة من المخالفين، فناظرهم في أبواب دقيق الكلام فقطعهم، ونظر في شيء من كتب الفلاسفة، فلما ورد البصرة كان يرى أنه قد أورد من لطيف الكلام، ما لم يسبق علمه الى أبي الهذيل. قال ابراهيم: «فناظرت أبا الهذيل في ذلك، فخيل إلي أنه لم يكن متشاغلا قط إلا به، لتصرفه فيه، وحذقه في المناظرة فيه». قال القاضي:
«ومناظراته مع المجوس والثنوية وغيرهم طويلة ممدودة، وكان يقطع الخصم بأقل كلام». يقال أنه أسلم على يده زيادة على ثلاثة آلاف رجل ومن محاسنه أنه أتاه رجل فقال له: «أشكل علي أشياء من القرآن، فقصدت هذا البلد، فلم أجد عند أحد ممن سألته شفاء لما أردته فلما خرجت في هذا الوقت قال لي قائل: إن بغيتك عند هذا الرجل فاتق الله وأفدني». فقال أبو الهذيل: «فما ذا أشكل عليك؟» قال: آيات من القرآن توهمني أنها متناقضة، وآيات توهمني أنها ملحونة». قال: «فما ذا أحب إليك، أن أجيبك بالجملة، أو تسألني عن آية آية؟» قال: بل تجيبني بالجملة». فقال أبو الهذيل: «هل تعلم أن محمدا كان من أوسط العرب، وغير مطعون عليه في لغته، وأنه كان عند قومه من أعقل العرب فلم يكن مطعونا عليه؟» فقال: «اللهم نعم».
صفحة ٤٤