429

كتاب المناظر

تصانيف

[178] وقد يعرض الغلط في الظل أيضا من أجل شدة الشفيف. وذلك إذا كان في حائط من حيطان بيت من البيوت ثقب يفضي إلى بيت آخر أو فضاء، وكان وجه ذلك الثقب مسدودا بجسم مشف كالجامات الزجاج التي تكون في الحيطان للضوء، وكان ذلك الخام المشف شديد الشفيف نقي البياض وكان سطحه مستويا، وكان في الحائط المقابل لذلك الثقب ثقب آخر نافذ منكشف للسماء، ودخل ضوء الشمس من الثقب النافذ وانتهى إلى الجسم المشف المقابل له، وكان مقدار الضوء لا يفضل على ذلك الجسم المشف، فإن البصر إذا نظر إلى الجسم المشف الذي بهذه الصفة ولم يكن البصر في الموضع الذي ينعكس إليه الضوء من سطح ذلك الجسم المشف ولا على سمت الانعكاس، فإن البصر يدرك الجسم المشف الذي بهذه الصفة مستظلا ولا يدرك ضوء الشمس المشرق عليه. وذلك لأن الجسم المشف إذا كان في غاية الشفيف فإن الضوء إذا أشرق عليه نفذ فيه لشفيفه ولم يثبت في سطحه. وإذا كان ذلك المشف صقيلا فإن الضوء مع نفوذه فيه ينعكس عن سطحه كما ينعكس عن سطوح الأجسام الصقيلة. وإذا لم يثبت في سطحه ولم يكن البصر في الموضع الذي ينعكس إليه الضوء ولا على سمت الانعكاس فإن البصر لا يدرك الضوء الذي أشرق على ذلك الجسم. وإذا كان ما يحيط بذلك الجسم من الأجسام الكثيفة وحيطان الموضع مستظلة، وذلك الجسم المشف فيما بينها، فإنه لا يشك في أن حال ذلك الجسم في الظل كحال الأجسام التي حوله، إذا لم يتقدم علم الناظر بدخول ضوء الشمس من الثقب المقابل.

[179] وإذا أدرك البصر الجسم الذي قد أشرق عليه ضوء الشمس مستظلا فهو غالط فيما يدركه من استظلاله. والغلط في الظل هو غلط في القياس لأن الظل يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو فرط شفيف الجسم المشف الذي يدركه البصر على الصفة التي وصفناها، لأن الجسم الذي وصفناه، إذا كان كثيفا و كان فيه كثافة قوية، فإن الضوء إذا أشرق عليه ثبت في سطحه، وأدرك البصر الضوء الذي في سطحه ولم يدركه مستظلا إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال.

صفحة ٤٩٢