[105] وإذا أدرك البصر الشخصين المختلفي البعد كأنهما متساويا البعد فهو غالط في بعد كل واحد منهما أو في بعد أحدهما وغالط في تساوي بعديهما. والغلط في البعد وفي تساوي البعدين هو غلط في القياس لأن البعد وتساوي الأبعاد إنما يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال بالنقصان المفرط. لأن وجه الأرض في الليل مظلم وفيه مع ذلك ضوء يسير إذا كان منكشفا للسماء، وليس هو مظلما بالكلية، لأن المواضع المظلمة بالكلية هي المواضع المحتجبة عن السماء كدواخل البيوت ودواخل المغائر، فأما المواضع المنكشفة للسماء فإن فيها ضوءا يسيرا وهو ضوء السماء والكواكب. فإذا أدرك البصر الشخصين < اللذين > وصفناهما في سواد الليل فهو يدركهما ولا يدرك الاختلاف الذي بين بعديهما، لأنه لا يدرك مقدار سطح الأرض المتوسطة بينه وبينهما ولا يتحقق مقداره للإفراط في نقصان الضوء الذي على وجه الأرض. وإنما يدرك الشخصين اللذين > على هذه الصفة لتفرقهما وظهور الماء من وراثهما. فإذا أدرك البصر الشخصين اللذين على هذه الصفة في ضوء النهار، وكان بعد أبعدهما من الأبعاد المعتدلة، فإنه يدرك البعد الذي بينه وبين كل واحد منهما، ويدرك اختلاف بعديهما، ولا يعرض له الغلط في بعديهما، إذا كانت المعاني الباقية التي فيهما التي بها يتم إدراك المبصرات على ما هي عليه في عرض الاعتدال.
.ب.
[106] وقد يعرض الغلط في وضع المبصر أيضا من أجل خروج الضوء الذي فيه عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر الذي يدركه البصر في موضع مغدر شديد الغدرة وليس فيه إلا ضوء يسير، إذا كان سطحه مائلا علي خطوط الشعاع ميلا ليس بالمتفاوت، وكان مع ذلك صغير المقدار، فإن البصر لا يدرك ميله بل يدركه كأنه مواجه كما يدرك المبصرات المواجهة. وذلك أن المبصر إذا أدركه البصر في موضع مغدر شديد الغدرة فليس يدرك صورته إدراكا محققا، وكان مع ذلك صغير الحجم، وكان سطحه مظلما ليس فيه إلا ضوء يسير، فإنما يدرك منه ظلمة فقط، ولا تتميز له هية وضعه ولا يحس بميله وإنما يدركه مقابلا له فقط، فهو يدركه كما يدرك المبصرات المواجهة وليس يفرق بينه وبين المبصر المواجه. وإذا لم يفرق البصر بين وضع المبصر المائل وبين وضع المواجه فهوغالط في وضعه.
.ج.
[107] وكذلك أيضا إذا أدرك المبصر البصر في موضع مغدر أو في سواد الليل، وكان شكل المبصر شكل مضلعا كثير الأضلاع، وكان ذلك المبصر صغير المقدار وكانت أقطاره مع ذلك متساوية، فإن البصر يدرك ذلك المبصر مستديرا ولا يحس بزواياه وأضلاعه. وذلك لأن المبصر الكثير الأضلاع إذا كان صغير المقدار كانت زواياه صغارا، وإذا كانت زواياه صغارا ولم يكن الضوء الذي عليه قويا فإن زواياه تخفى عن البصر وإن لم تخف جملته لصغر الزوايا ولأن المبصرات التي في غاية الصغر تخفى في المواضع المغدرة التي قد تظهر فيها المبصرات المقتدرة الحجم. فإذا كانت زوايا المبصر صغارا وكانت أقطاره متساوية وكان في موضع شديد الغدرة، فإن البصر يدركه مستديرا ولا يحس بزواياه وأضلاعه.
صفحة ٤٦٤