360

كتاب المناظر

تصانيف

[17] وأيضا فإنه قد تبين أن مقدار بعد المبصر إذا كان متيقنا وكان من الأبعاد المعتدلة بالقياس إلى ذلك المبصر كان الذي يدركه <البصر> من مقدار عظم ذلك المبصر متيقنا، وإذا كان مقدار بعد المبصر غير متيقن كان الذي يدركه البصر من مقدار عظم المبصر غير متيقن. وقد تبين أيضا أن بعد المبصر إذا كان متفاوت العظم فإن البصر لا يتبين مقدار ذلك البعد كان ذلك البعد مسامتا لأجسام مرتبة أو لم يكن مسامتا لأجسام مرتبة. وتبين أيضا أن البصر إذا لم يتيقن مقدار بعد المبصر فإنه يحدس على مقدار بعده حدسا ويشبه بعده بأبعاد المبصرات المألوفة التي تشبه ذلك المبصر في مقداره وفي جملة ما يظهر من صورته التي يدركها البصر من الأبعاد المألوفة. وإذا كان ذلك كذلك فالبصر المتفاوت البعد يتخيل البصر مقدار بعده بالحدس أصغر من مقداره الحقيقي، لأنه يشبهه بالأبعاد المألوفة التي يدركها من المبصرات المألوفة التي توتر زوايا مثل الزاوية التي يوترها ذلك المبصر من البعد المتفاوت. والأبعاد المألوفة التي يدرك منها المبصرات المألوفة ليس منها شيء متفاوت العظم، فالمبصر المتفاوت البعد إنما يدرك البصر مقدار بعده بالحدس أصغر من مقداره الحقيقي، فالزاوية التي يوترها المبصر إذا كان متفاوت البعد يدرك البصر مقدارها صغر من مقدارها الحقيقي، وبعد المبصر إذا كان متفاوت البعد يدرك البصر مقداره أصغر من مقداره الحقيقي. ومقدار عظم المبصر إنما يدرك من قياس العظم إلى الزاوية التي يوترها ذلك العظم عند مركز البصر مع القياس إلى مقدار بعد ذلك العظم. فالمبصر المتفاوت البعد إنما يدرك البصر مقداره من قياس عظمه بزاوية أصغر من الزاوية الحقيقية التي يوترها ذلك المبصر من ذلك البعد وببعد أصغر من بعده الحقيقي، فلذلك يدرك البصر مقدار المبصر المتفاوت البعد أصغر من مقداره الحقيقي، وكلما ازداد المبصر بعدا ازداد مقداره في الحس صغرا لأن الغلط في الزاوية التي يوترها ذلك المبصر يتزايد كلما تزايد بعده، ومقدار التفاوت الذي بين بعده الحقيقي وبين ما يتخيله البصر من مقدار بعده المنظور يتزايد أيضا كلما تباعد المبصر، فلذلك كلما ازداد المبصر بعدا ازداد مقداره في الحس صغرا. وإذا تمادى البصر في التباعد انتهى إلى الحد الذي يخفى منه عن البصر فلا يدركه البصر.

[18] والحد من البعد الذي تخفى منه جملة المبصر فلا يدركه البصر هو الحد الذي يصير فيه الجزء من البصر الذي تحصل فيه صورة المبصر هو النقطة التي ليس لها قدر محسوس يعتد به الحاس ويدرك مقداره، فتصير صورة المبصر عند هذه الحال بمنزلة صورة المبصر الذي في غاية الصغر الذي ليس في قدرة الحس إدراكه من أجل صغر حجمه وإن كان قريبا من البصر.

صفحة ٤٢٣