مع أن ذلك مما لا ينبغي أن يكون سرا، ويختفي على أحد، ولا بد أن يكون ذلك منتشرا في ألسنتهم وكتبهم، وأن تركهم ذلك إنما كان من جهة التقية، وبدون التقية يجوز بلا شرط آخر، ولم يعتذر بذلك أحد من الفقهاء، ولم يجعل ذلك علة للترك أحد من الرواة.
وبالجملة: حمل هذا الخبر على الوجوب عينا مع التمكن عن الصلاة سرا وخفية - كما ذكره - أصعب من خرط القتاد.
الثالث: ما رواه زرارة عن عبد الملك - وفي طريقها عبد الله بن المغيرة، وهو ثقة، والعباس، ولعله العباس بن الوليد بن صبيح، بقرينة رواية الحسن بن محبوب عنه، وهو أيضا ثقة - رواها عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى، قال: قلت: فكيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة، يعني: صلاة الجمعة (1).
والتقريب ما مر من أن ظاهر ذلك أن عبد الملك كان تاركا لها، مع كونه من الأجلاء.
والظاهر أن المراد ب " يهلك " يموت، كما هو حقيقة فيه، مع أن السياق سياق الاستحباب، وإلا لكان لا بد أن يؤكد.
ومن أكبر الشواهد على ذلك أنه قال: " كيف أصنع؟ " فلو كان الصلاة غير مشروطة بما ذكرناه وكان واجبا عينا معلوما عند الرواة وفقهاء الأصحاب فلم كان مثل عبد الملك يسأل عن ذلك ويقول: " كيف أصنع "؟
فعلم من ذلك، أنه كان يعلم أن تلك الصلاة في الجملة مشروطة بحضور الإمام أو نائبه الخاص، ولما لم يكن الإمام (عليه السلام) حينئذ مبسوط اليد نافذ الأحكام متصديا للجمعة وغيرها مما يخص فعله بالإمام تحير في ترغيب الإمام إياه في ذلك مع عدم هذا الشرط، فقال: كيف أصنع وأنت لا تصلي معنا؟ أو كيف نصلي ولم تنصب أحدا علينا للصلاة؟ وكان عبد الملك لا يدري جواز ذلك، واستحبابه
صفحة ٤٩