ويعلم مما تقدم أنه عندما يبلغ الفيضان ستة عشر ذراعا يكون تقدير المحصول بستين مليون إردب تقديرا ليس فيه مغالاة، وتكون جملة الخراج باعتبار 2٪ 1200000 إردب، وبضرب هذا في 35 قرشا ثمن الإردب يكون الناتج 420000ج.م وهو قيمة الخراج، ويكون خراج الفدان الواحد 7 قروش .
وقال البلاذري في كتابه «فتوح البلدان» (ص214 و215):
حدثني إبراهيم بن مسلم الخوارزمي، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي فراس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: اشتبه على الناس أمر مصر، فقال قوم: فتحت عنوة، وقال آخرون: فتحت صلحا، والثلج في أمرها أن أبي قدمها فقاتله أهل اليونة، ففتحها قهرا وأدخلها المسلمين، وكان الزبير أول من علا حصنها، فقال صاحبها لأبي: إنه قد بلغنا فعلكم بالشام ووضعكم الجزية على النصارى واليهود، وإقراركم الأرض في أيدي أهلها يعمرونها ويؤدون خراجها، فإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أرد عليكم من قتلنا وسبينا وإجلائنا. قال: فاستشار أبي المسلمين فأشاروا عليه بأن يفعل ذلك إلا نفرا منهم سألوا أن يقسم الأرض بينهم، فوضع على كل حالم دينارين جزية إلا أن يكون فقيرا، وألزم كل ذي أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة، وقسطي زيت، وقسطي عسل، وقسطي خل رزقا للمسلمين تجمع في دار الرزق وتقسم فيهم، وأحصى المسلمون فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف، وبرنسا أو عمامة، وسراويل، وخفين في كل عام أو عدل الجبة الصوف ثوبا قبطيا، وكتب عليهم بذلك كتابا، وشرط لهم إذا وفوا بذلك أن لا تباع نساؤهم وأبناؤهم، ولا تسبوا وأن تقر أموالهم وكنوزهم في أيديهم. فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر، فأجازه وصارت الأرض أرض خراج، إلا أنه لما وقع هذا الشرط والكتاب ظن بعض الناس أنها فتحت صلحا. قال: ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه في مدينته صالح عن جميع أهل مصر على مثل صلح اليونة، فرضوا به وقالوا: هؤلاء الممتنعون قد رضوا وقنعوا بهذا فنحن به أقنع؛ لأننا فرش لا منعة لنا. ووضع الخراج على أرض مصر فجعل على كل جريب دينارا وثلاثة أرادب طعاما، وعلى رأس كل حالم دينارين، وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ا.ه.
وقد ذكر البلاذري لفظ الجريب في هذه العبارة، لكنه أخطأ في ذكره هنا، ونحن نرجح أنه خلط بين هذا والفدان؛ لأن الجريب الذي هو أقل من الفدان لم يستعمل في مصر قط، أما ثمن الثلاثة الأرادب التي ذكرها فهو 105 قروش على اعتبار أن ثمن الإردب 35 قرشا، وبإضافة 60 قرشا قيمة الدينار المذكور معها إلى هذه القيمة يكون الناتج 165 قرشا، وهو مقدار الخراج عن الفدان.
ومن المحقق أن هذا الخراج لم يفرض إلا على الأطيان المزروعة قمحا، وهذه الأطيان يمكن تقدير مساحتها بمليوني فدان، ويكون جملة خراجها 3300000ج.م ومتوسط خراج الفدان الواحد 55 قرشا في المساحة المزروعة جميعها، وهي ستة ملايين فدان.
وهذا المبلغ وإن كان يبدو لنا جسيما، لا سيما إذا قورن بما ذكره المؤلفان السابق ذكرهما، إلا أننا نرى أنفسنا مضطرين أن نذكره هنا مجاراة لهذا المؤلف.
وقد تبدو قيمة هذا الخراج ضئيلة عند قياسها بالقيم التي جبيت فيما بعد، والسبب في ذلك هو أن المورد الرئيسي للإيرادات وقتما فتح العرب مصر كان الجزية، وبعد هذا الفتح أخذ الناس يدخلون في الدين الإسلامي، وأخذ هذا المورد على أثر ذلك في النضوب، فدعت الحالة إلى إيجاد موارد أخرى، وها هي مبالغ الخراج التي حصلنا عليها في عهد هذا الخليفة:
المؤلف
الخراج
المساحة المزروعة
صفحة غير معروفة