فنادى فؤاد الخادم لينطلق ويحضر عربة، ثم قال لعفيفة: نمكث هنا إلى الساعة الحادية عشرة حتى يكون قد انصرف الناس من السهرة عند والدتي.
قالت: لا بأس.
وجلسا يتحدثان حديث الشوق والمحبة مع رعاية الأدب والصيانة، ولما اقتربت الساعة من الحادية عشرة نادى فؤاد البستاني وقال: ربما يحضر هذه الليلة رجل.
فقاطع البستاني عليه الحديث وقال: إن دخل لم يخرج إلا محملا على الأوتاد، فهذه بندقيتي معي، فكن في اطمئنان.
قال فؤاد: إياك أن تفعل شيئا من ذلك، فليس الرجل من اللصوص، ويغمني أن يقال عني: إني خفت فأغريت غلامي بقتله، بل دعه يفعل ما يشاء، واحضر في الصباح إلي مخبرا عما يكون قد حصل.
قال الخادم: سمعا وطاعة.
وأخذ فؤاد بيد عفيفة منطلقا نحو باب الجنينة، فوجد العربة تنتظرهما، فركباها قياما إلى القاهرة إلى منزل والدته سيدة.
الفصل الثامن عشر
كان من عادة سيدة والدة فؤاد أن تعقد مجلسا للسهرة ليلة واحدة في الأسبوع، فيجتمع عندها الأدباء والكبراء وأهل الذوق والمحاضرة، وصادف أن اليوم الذي عزم فيه فؤاد على إحضار عفيفة إلى منزل والدته كان يوم الاجتماع يتوارد القوم فيه من الساعة الثامنة، فلا ينصرفون إلا في الساعة الحادية عشرة. فيتردون بالثياب الفاخرة المعدة للمقابلات والزيارات، فتقابلهم سيدة بغاية اللطف والإيناس وتبالغ في إكرامهم، فيخرجون منشرحين واعدين الأنفس بالعود في السهرة التالية، غير أن سيدة كانت في هذه الليلة على خلاف عادتها مضطربة البال نظرها مرسل دائما إلى جهة الباب، وكان الباعث على اضطرابها تخلف أخيها همام وصاحبه غانم عن الحضور حسب الوعد، فاشتدت في رأسها الهواجس والأفكار، ووقع في نفسها أن قد حدث حادث فوق العادة أوجب تأخير حضورهما، واستمرت هكذا حتى الساعة العاشرة، إذ رأت هماما مقبلا، فنهضت لاستقباله ظانة أنه يصحب معه غانما، فخاب الأمل إذ رأت أخاها وحده فسألته عن رفيقه فقال: إن له نبأ غريبا، أقصه عليك بعد انصراف الناس، فانظري في مؤانستهم حتى يكونوا قد ذهبوا.
وعند الساعة الحادية عشرة انفرط عقد السهرة، فانصرف الحاضرون أولا فأولا، وبعد مضي نصف ساعة من الزمان خلا المحل لهمام وشقيقته فسألته عن الخبر، وروحها من الانتظار تكاد أن تزهق، وقد خالت السهرة خالدة بطولها والليل سرمديا.
صفحة غير معروفة