قالت: أنت في خطأ، فدخوله علينا من أسهل الأمور.
قال: إن حدثته نفسه بذلك فيعلم كيف أستقبله، ولعله لا يخفى عليه ما أصنع.
قالت: نحن في غنى عن العناء بالذهاب من هذا المكان، فإن مجرد التفكير باحتمال حضوره يفقدني رشدي.
قال: ما ظننت أنه يبلغ بك الخوف هذا المبلغ، ولا أعلم كيف وقعت رهبة هذا الرجل في قلبك حتى تجزعي منه كل هذا الجزع، أمن سلطة له عليك؟ بل كان هو الأجدر أن يرتعش أمامك، فإن نظرة واحدة منك كافية لإلقائه صريعا بين الأقدام، إن كنت تتذكرين يوم القرافة إذ زجرته ولحظته شزرا فكاد يهوي إلى الأرض وهنا، فأين منك القوة التي يتغلب بها الصالحون على جماعة الأشرار؟!
قالت: كنت في القرافة بقرب لحد والدتي، فشعرت أنها تمدني بالمساعدة والقوة، فاشتد بها أزري وقويت عزيمتي، أما الآن فإني لبعدها عني لا أجد قوة، وأراني كالطفلة الصغيرة لا حول لي، وفي قلبي الخوف والجزع.
قال: تخافينه وأنا معك؟
قالت: إن وجودك معي يزيدني خوفا، فلو كنت وحدي لكان جزعي مقصورا على نفسي، ولكني الآن أخشى علي وعليك.
ثم إن فؤادا اجتهد في تسكين خاطرها وتهدئة روعها بلا فائدة، فكانت تقول له: إن الأطفال أكثر مني شجاعة وقوة، وأراني ضعيفة العقل فاقدة العزم أحتاج إلى مساعدة من ينصرني، فلا أستطيع صرف الليل في هذا المكان، ولم يبق لي أمن للإقامة فيه بعد اهتداء هذا الشرير إلينا، فلو سمعت صرير باب ينفتح أو هزيز شجرة أو أقل حركة من داخل أو من خارج لظننت أن الوافد علينا خليل، فانظر مقدار روعتي والوقت نهار والشمس لم تغب، فكيف تكون حالتي عند هجوم الليل علينا بجيشه المدلهم؟ فوالله إني لأحس من نفسي بفقد الشعور وفقد الحياة، وتراني من مجرد الوهم والتصور أرتعش، فلو رأيت خليلا صاعدا متسلقا سور البستان مرة أخرى؛ لألقيت نفسي من هذه النافذة على علوها الشاهق فمت لحيني، فعلى سائر الأحوال ما أرى أمامي هنا غير الخيال وفقد الشعور والهلاك أشنع موتة، فإن أهمك أمري ورغبت في حياتي فأنقذني من هذا المكان، ولك المنة الجزيلة.
قال: ما يحسن منك هذا التصور، فقد أزعجتني، وبعد: ولو أن ما تقولين غير معقول فإني أجيب طلبك وأصحبك معي إلى منزل والدتي، فاصرفي عنك الكدر وسكني البال.
فأشرق وجه عفيفة عند سماع هذا الكلام وقالت: ذهب الهم عن قلبي لا عدمتك، وزال الجزع وشعرت بالراحة، أذهب الله عن قلبك كل الخوف، فهيا بنا للخروج حالا.
صفحة غير معروفة