ويتخذ من دعوى إبليس أنه أفضل من آدم في قوله: «أنا خير منه.» ومن دعوى فرعون الألوهية في قوله: «أنا ربكم الأعلى.» دليلا على فتوتهما، فيقول على لسان الأول: «إن سجدت سقط عني اسم الفتوة.» وعلى لسان الثاني: «إن آمنت برسوله سقطت من منزلة الفتوة.»
40
وأما صلة الفتوة بالملامتية فقد أنكرها «هورتن» الذي لم يتردد في تقرير الصلة بين الفتوة والتصوف، مستندا إلى أنهما فكرتان متعارضتان. وهو يرى أن أصحاب الفتوة رجال يجمعون بين التقوى والشعور بالشرف، في حين أن أهل الملامة رجال يحتقرون الدنيا علنا ويعتبرون لوم النفس وسيلة ضرورية لتوصيلهم إلى الكمال الروحي أو الخلقي. ولكن إذا كانت هناك فتوة تتعارض مع المذهب الملامتي فهي «الفتوة الناصرية» المتأخرة التي أطلقنا عليها اسم «فتوة الأرستوقراطيين». أما الفتوة الأولى، أي الفتوة العامة المتصلة بالتصوف، فقد كانت شديدة الاتصال أيضا بالمذهب الملامتي. بل إنني أرى - اعتمادا على ما ورد في رسالة الملامتية للسلمي - أن صلتها بالملامتية كانت أقوى من صلتها بالصوفية، يؤيد ذلك أن السلمي عندما أراد أن يفسر صفات الملامتية ذكر من بينها أخص صفات الفتوة، وأن مؤسسي الملامتية الأولين فهموا «الملامة» على أنها نوع من الفتوة أو الرجولة وأطلقوا على أنفسهم اسم الفتيان والرجال. ويقول أبو حفص النيسابوري: «مريدو أهل الملامة متقلبون في الرجولية لا خطر لأنفسهم.»
41
أما صفات الفتوة التي يطالب الملامتية بها أنفسهم ومريديهم ويعتبرونها جزءا لا يتجزأ من شخصية الملامتي الكامل فكثيرة، نجد الشواهد عليها في كل صفحة من صفحات السلمي، فمن صفات الفتوة في الملامتي ما ورد في الأصل الحادي والأربعين من رسالة الملامتية في قول أبي حفص الحداد لعبد الله الحجام: «إن كنت فتى فيكون بيتك يوم موتك موعظة للفتيان.»
42
يريد بذل كل شيء وعدم الإبقاء على شيء خدمة للإخوان. ومنها ما ورد في الأصل الخامس والأربعين في قول أبي عثمان الحيري في الصحبة: «حسن الصحبة ظاهره أن توسع على أخيك من مال نفسك ولا تطمع في ماله، وتنصفه ولا تطلب منه الإنصاف
43 ... وتتحمل منه الجفوة ولا تجفوه» إلخ.
44
ومنها أن الملامتي هو: «من لا يكون له من باطنه دعوى ولا من ظاهره تصنع ولا مراءاة.»
صفحة غير معروفة