36
قال علي بن أبي بكر الأهوازي: «إن أصل الفتوة ألا ترى لنفسك فضلا واحدا.» وقال القشيري: «أصل الفتوة أن يكون العبد أبدا في أمر غيره.»
37
وقال بعضهم في تفسير قوله تعالى:
قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم : «الفتوة هي كسر الصنم (الوارد في القصة)، وصنم كل إنسان نفسه ، فمن خالف هواه فهو فتى على الحقيقة.»
38
وهذه كلها معان وجدت طريقها إلى بيئات الصوفية والملامتية على السواء، ولعبت دورا هاما في تشكيل أفكارهم ونظرتهم إلى الحياة الروحية.
وليس بصحيح ما ذهب إليه ثورننج من أن إقبال الفتيان على التصوف لا يتفق وأخلاق الفتوة، إلا إذا قصد بالفتوة الفتوة الأرستوقراطية التي كانت من مميزات طبقة خاصة من طبقات الأمة الإسلامية، وهذه لم تظهر إلا في زمن متأخر يحدده المؤرخون بالخليفة الناصر العباسي (575-622ه). أما إذا نظرنا إلى الفتوة في معناها العام وجدناها خالية من هذه النزعة الأرستوقراطية التي تتعارض مع روح التصوف، بل وجدناها دائما مسايرة للتصوف صديقة له يأخذ عنها وتأخذ عنه. وليس للفتيان دعوى امتياز على غيرهم إلا في الشعور بالواجب وفعل ما يقضي به الشرف، لا دعوى أفضلية طبقة على طبقة أخرى داخل النظام الاجتماعي، فإن ادعى فتيان الصوفية لأنفسهم ميزة على غيرهم، لزم أن نحمل هذه الدعوى على المحمل الأول.
ولما كان من صفات الصوفية عامة كثرة الدعاوى - وهي مسألة يختلفون فيها تماما عن الملامتية كما سنذكره فيما بعد - سهل على بعضهم اعتبار الدعاوى من مقومات الفتوة الصوفية، فالفتى الصوفي في نظر هؤلاء من كانت له دعوى يدافع عنها ويضحي بنفسه في سبيلها كالحسين بن منصور الحلاج الذي يقول: «إن رجعت عن دعواي (وهي قوله أنا الحق) وقولي، سقطت من بساط الفتوة.»
39
صفحة غير معروفة