كان مثل هذه الجمل مناسبا لشخصيات روايات فرانتس كافكا أو توماس بيرنهارد، وكنت عند سماعها أفكر أن الشخصين المناسبين قد تقابلا: رجل مصاب بمرض ألزهايمر وأديب. يجعل الكاتب توماس بيرنهارد إحدى شخصيات روايته تقول عند إحساسها بالإحباط: أنا عاجز، أنا عاجز لأبعد الحدود. وفي موضع آخر: لم أعد أفهم أي شيء.
كان أبي يكرر كثيرا قوله: «لا أفهم كل ذلك!» قول يعبر عن عجزه عن فهم الآليات التي يتعامل معها. وبالطبع كانت تتبعه الجملة القاطعة: «لم أعد شيئا يذكر.»
كما كان أبي يقيم حالته بالتفصيل، وكانت البهجة التي يعرض بها رأيه في وضعه تصيبني بالقشعريرة. «أنا مسكين على هامش الحياة. نعم، نعم، كانت بداياتي قوية، ولكني الآن أصبحت مسنا ... ومع التقدم في العمر أصابني شيء من اللامبالاة ... لا، ليست لامبالاة ... ليست لا مبالاة، هذه الكلمة غير مناسبة ... بل داهمتني مشاكل.»
ثم يحرك يديه بأن يجعلهما تتقاطعان أمام بطنه عدة مرات مشيرا إلى أن شيئا ما قد انتهى. قال أبي ذلك مرة ثم قام وبحث في عدة أدراج، وبعد ذلك أغلقها. وعندما سألته عن ضالته التي يبحث عنها، عجز عن الإجابة، وقال: «لا شيء، لا شيء يمكن متابعته أو استكماله.»
ثم أردف قائلا: «لقد رأيت شيئا وأسعدني ذلك، ولكن كل هذه الأشياء لم تعد تناسب حالتي.» «وكيف ترى حالتك يا أبي؟» «ضعيف، لا يمكنني فعل شيء إلا بمساعدة الآخرين، ولم أعد أصلح لفعل الكثير. على أي حال، الأمر هكذا ولا يمكنني تغييره. لقد فشلت في كثير من الأمور ... كثير، كان من الممكن أن تسير الأمور بصورة أفضل، ولكني لست حزينا على ذلك، أنا لا أرثي لحالي، مع أني لم أحقق الكثير في الأوقات الأخيرة. في البداية كانت الأمور تسير بطريقة مرضية، ولكنها أخذت تزداد سوءا، والحظ عاندني أيضا.» «أي سوء حظ تعني؟» «لقد أصبحت يداي عاجزتين، وفقدت الأشياء قيمتها فجأة. لا أريد اتهام الآخرين بالمسئولية عن ذلك، أشيائي هي التي أصبحت ضعيفة، لم أعد مناسبا، لم أعش لحظات ازدهار في آخر ... ماذا أقول؟ ... أشهر! ربما كانت الفترة أطول.» «متى كانت لحظات الازدهار في حياتك؟» «لم أعد أفكر فيها. عشت أوقاتا جميلة، وسعدت كثيرا، ولكن، ولكن، ولكن، مضت تلك الأوقات. لقد تلفت بعض الأشياء لدي، أعرف ذلك، لكني لم أعد أحتاجها.»
ثم ذهب إلى الباب، وعاد بعد خمس ثوان. غنى قليلا ونظر في الإناء على الموقد، وبعدها خرج إلى الحديقة، وعندما رجع سألته: «هل يوجد جديد؟» «بالنسبة إلي لا شيء، لا شيء جديدا لدي، دائما هكذا، وأنا سعيد بذلك. كما تعلم، لا يوجد أي جديد لدي، أنا ضعيف، غير قادر على الإنجاز، أصبح الأمر هكذا.» ثم غنى مجددا بعض المقاطع، وقال: «وقريبا ... سأرقد!» «ماذا؟» «لن أفعل شيئا ... كما تعلم، لا توجد لدي أمور مهمة، أشعر بذلك، لا أستطيع البرهنة على ذلك، لكني أشعر به. نعم، هكذا الحال، وما يجب القيام به، يجب على الآخرين فعله.» «لا تشغل بالك بالأمر. دعه لي.»
ضحك وأمسك بيدي وقال: «شكرا، أود فقط أن أشكرك. أنا إنسان مسكين، كنت قديما ... أشكرك على أنك لا تجعل من عجزي مأساة.» «أبي، كل شيء على ما يرام، وتحت السيطرة. بدأت الشمس في المغيب.» «أتعتقد ذلك؟» «أنا أعرف ذلك.» «أشكرك لإخباري، أنا أصبحت للأسف إنسانا خاملا.»
ثم جلس بجانبي إلى الطاولة مسندا رأسه بين يديه. •••
كان دائما يحمل هم أن يكون هناك شيء لم يتم إنجازه. عندما نزلت ذات يوم من الطابق العلوي وجدته واقفا مع مشرفة كانت تدعى لودميلا، كانت تحاول إقناعه بالخلود إلى النوم، ولكنه كان قلقا؛ لأنه لم يتم أداء كل الأعمال، ولأن هناك من ينتظره. فطلبت منه أن يكتفي بما تم إنجازه هذا اليوم؛ لأن الجميع سيخلد إلى النوم، ولكنه سأل باهتمام: «ولكن من سيصطحب الناس إلى الخارج؟!»
ربت على يده قليلا، وقلت له: «أنا سأفعل، يمكنهم الآن أن يغادروا البيت.»
صفحة غير معروفة