ملك في منفى العمر

أرنو جايجر ت. 1450 هجري
40

ملك في منفى العمر

تصانيف

حياك الرب يا أخي الجميل.

وأحيانا كان يغير مسار كلامه في وسط الجملة ويقدمني على أنني أخوه باول - حارس الغابة - ويضيف: «إنه شاعر ومفكر.»

لم يعد أبي يترك البيت وحده تقريبا قط. في بعض الأحيان كان يجلس على السور أمام البيت، أو يقف في الشرفة الخارجية ناظرا إلى القرية أسفل منه. في تلك اللحظات كنت أتوقع أن يكون قد برأ من مرضه، فيستدير إلي ويجري معي حديثا عاديا عابرا. لم يكن يوبخني ولا يسدي إلى النصائح؛ فلا أذكر أنه ألقى علي محاضرة تربوية مهمة؛ فقد كان يفضل إبداء الملاحظات عن الطقس وتغيرات الطبيعة.

من يراه في ذلك الحين واقفا في ظل الأشجار سيعتقد بالتأكيد أن كل شيء فيه ما زال على ما يرام.

ظننت وقتها أن ما بقي من الوقت قليل، وأخذت أفكر فيما سيحمله لنا العام القادم، ثم الذي يليه، سنتان أو ثلاث. هذه المدة تقريبا التي أعمل فيها على كتابة رواية. ثلاثة أعوام كانت تقريبا المدة التي اعتقدت أني سأتمكن من التواصل مع أبي خلالها؛ لذلك كنت أحضر إلى فورآرلبرج كلما استطعت، وكنت أعفي المشرفات على رعايته من العمل مساء لأقضي معه الوقت وحدي.

كانت الأيام تمر في سلام تام، حتى إنني كنت أعتقد أحيانا أن هناك مشكلة في أذني؛ لأني لم أعتد هذا الهدوء. عندما كنت أعمل كان أبي يجلس إلى طاولة المطبخ في مواجهتي ساعات طوال. كان يمسح بيده على الطاولة ويتنفس أحيانا بسرعة وبإيقاع منتظم، أو يقف لفترة طويلة أمام حامل الصحف، عدا ذلك كان يتصرف بهدوء. وأحيانا كان يطرح سؤالا ثم نتجاذب أطراف الحديث بعض الوقت، أو ينظر إلى ما أكتب على الكمبيوتر المحمول الخاص بي ويقرؤه، وسألته إذا كان يهتم بما أكتب، فقال: «نعم، ربما أهتم به قليلا.»

ثم جلس وبدا وكأنه غارق في الأحلام. عندما كان يجلس تائه الفكر، كنت أراه على حالته القديمة، وأحيانا كان يلعب بأصابعه وكأنه لا يوجد شيء مهم آخر يجب القيام به، أو كان يطلب مني إخباره إذا كان باستطاعته مساعدتي.

ثم يضيف: «أعرف، للأسف، أن نتائج ما أقوم به لم تعد جيدة ومعدل إنجازي ضعيف جدا. الأمر صعب، لن أستطيع مساعدتك.» «أنت أكثر شخص يساعدني يا أبي.» «لا تقل ذلك!» «بالتأكيد، فأنت بالفعل أكثر شخص يساعدني.» «لطيف منك أن تقول ذلك.» «هذه حقيقة.»

فكر قليلا ثم قال: «إذن فسأضع ذلك في الاعتبار حاليا.»

عندما كان يجلس وحده في الغرفة، كان يغني، وكثيرا بصوت مرتفع . فكرت في أنه لو استمر على ذلك فسيبلغ التسعين. عاش أبي بطريقة صحية؛ إذ دأب على تناول وجبات منتظمة يوميا، فضلا عن قيامه بكثير من الغناء والتنزه والنوم الطويل. كذلك كان يقدم له اللحم كل يوم عدا يوم الجمعة، وكانت المشرفات السلوفاكيات يحرصن على الالتزام بمثل تلك الأمور. كذلك كن يصحبنه يوم الأحد إلى الكنيسة، عندما يكون بيتر والأسرة قد سبقوه في المساء إلى هناك.

صفحة غير معروفة