وأما حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: "أمرت الناس أن أقاتل حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها" فهذا لا إشكال فيه بحمد الله، وليس لكم فيه حجة، بل هو حجة عليكم، ولو لم يكن إلا قوله "إلا بحقها" لكان كافيًا في إبطال قولكم.
وقد قال علماؤنا ﵏: إذا قال الكافر لا إله إلا الله فقد شرع في العاصم لدمه، فيجب الكف عنه، فإن تمم ذلك تحققت العصمة، وإلا بطلت، ويكون النبي ﷺ قد قال كل حديث في وقت فقال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: "لا إله إلا الله" ليعلم المسلمون أن الكافر المحارب إذا قالها كف عنه، وصار دمه وماله معصومًا. ثم بين ﷺ في الحديث الآخر أن القتال ممدود إلى الشهادتين والعبادتين فقال "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة" فبين أن تمام العصمة وكمالها إنما يحصل بذلك، ولئلا تقع الشبهة بأن مجرد الإقرار يعصم على الدوام كما وقعت لبعض الصحابة حتى جلاها أبو بكر الصديق، ثم وافقوه ﵁.
ومما يبين فساد قولكم وخطأ فهمكم في معنى حديث أبي هريرة أن الصحابة ﵃ أجمعوا على قتال مانعي الزكاة بعد مناظرة وقعت بين أبي بكر وعمر، استدل عمر على أبي بكر بحديث أبي هريرة فبين صديق الأمة ﵁ أن الحديث حجة على قتال من منع الزكاة، فوافقه عمر وسائر الصحابة على قتال مانعي الزكاة، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويصلون، ونحن نسوق الحديث بتمامه، ثم نذكر ما قاله العلماء في شرحه ليتبين أن فهمكم الفاسد لم يقل به أحد من العلماء، وأنه فهم مشئوم مذموم مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة فنقول:
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله ﷺ، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر كيف تقاتل الناس -وقد قال رسول الله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها" فقال أبو بكر لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، فوالله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعه. قال عمر فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق.
وهذا الحديث خرجه البخاري في كتاب الزكاة، ومسلم في كتاب الأمان وهو من أعظم الأدلة على فساد قولكم، فإن الصديق ﵁ جعل المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب.
وقد تكلم النووي ﵀ على هذا الحديث في شرح صحيح مسلم فقال (باب) الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا
1 / 24