--- قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } .
سمعنا عند ذلك ركزا خفيا, وكلاما نجيا، ظاهره عتب، وباطنه تلب، فمن قائل يقول: هذا أمر لم يحكم ترتيبه. وآخر يقول: هذا وال لم يؤثر تقويمه وتأديبه، ومتأسف على ولاة كانوا قبلنا، ومتفجع لعدو بما ناله [منا ], وإن كان من غب مكره، وجزاء غدره, ومتوجع لولي من سوء حظه، وقلة ذات يده، وإغفال أمره, وتحلل عراء جلده، ومغضب يشكو سدة باب، أو غلظة حجاب، أو جفوة أصحاب، ومعذر في لزومه قعر داره، وتحليل أوتاره، وإرخاء أزاره, بما هو عليه من قلة عطية, أو عدم مطية، ومعتل بكثرة ماله, وضؤلة أطفاله، وترادف أشغاله، ومعتقد أنه حط عن منازل أمثاله، وقصر به عن درج أشكاله، فجعل ذلك وجها في التأخر عن نصرة الدين بنفسه أو ماله.
فأما الأول: فإن كان معتقدا للإمامة فقد سلم السيرة، وإن لم يعتقد الإمامة فلا فائدة في الطعن في الفرع مع فساد الأصل، لأن ما بني على شفاء جرف هار، فهو منهال منهار. وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟! مع أنه لو بلي بشيء مما بلينا به, من ترتيب حاجات تباعه، أو إصلاح أمر جماعة، لضاقت موارده وعميت مصادره، والتبست بصائره، وافتضحت معاذره، ولتبين له ما قيل في المثل السائر:(( في ملام من ليس بعاذر, فيما ليس له بخابر )). (( هان على الأملس ما لا قى الدبر )).
ولو قيل له: كن صاحب هذا الترتيب، واجعل حظك من الجهاد هذا النصيب، لتولى يعتذر بالعجز، ويدافع بالضعف عن القيام بعظيم هذا الأمر، ومع ذلك يدعي وقوع الخلل في الفعل على من حنكته التجارب، وقرعت صليب مروته النوائب.
صفحة ٢٥