المجموع المذهب في قواعد المذهب

صلاح الدين العلائي ت. 761 هجري
107

المجموع المذهب في قواعد المذهب

الناشر

دار عمار ؛ مكة المكرمة : المكتبة المكية

تصانيف

ثم أورد على هذا الضابط أنه قد تقرر في الشرع، أن ما لا يمكن ضبطه يجب الحمل على أقله، كمن باع عبدا بشرط أنه كاتب، أو خباز، ونحو ذلك، فإنه يحمل على أقل رتب هذه الصنائع.

وكذلك لو أسلم إليه في شيء موصوف بصفات تعتبر، ولكل واحدة منهن رتب دانية ومتوسطة، وعالية، فإن ذلك يحمل على أدناهن ، إذ لا ضابط لما زاد عليها.

فهلا قلتم هنا بالحمل على آدنى رتب المشاق، لعسر ضبطها في الرتب الزائدة على الأدنى.

وأجاب عن ذلك : بأنه لا يجوز تفويت مصالح العبادات مع عظمها وشرفها. بمثل هذه المشاق مع خفتها وسهولة تحملها، بل تحمل هذه المشاق لا وزن له في تحصيل مصالح العبادات، ولذلك كان اجتناب الترخص في معظم هذه المشاق أولى، فلم نحمل المشاق على الأقل مرتبة تحصيلا لمصالح العبادات، وحملنا الصفات في المعاملات على الأدنى تحصيلا لمصالح المعاملات، لأن الحمل على الأعلى يؤدي في السلم إلى عزة الوجود وفي البيوع إلى كثرة التنازع والاختلاف. والحمل على ما بينهما لا ضابط له، فلذلك حمل على أقل الدرجات مرتبة وأدناها.

والمشاق تنقسم من وجه آخر إلى مراتب بحسب العبادات التي تخفف بها، فما كان له ابدل، كالجمعة، أو ليس متأكدأ في الوجوب، كالجماعات، كانت مشقته المسقطة له اخفيفة، وأصل الصلاة لما عظم خطرها وكانت أفضل الأعمال لم تسقط في حال من الأحوال، بل يأتي بها المكلف على حسب حاله، والذي تخففه المشاق منها بعض أركانها ال وهي أيضا مختلفة، فاعتبرت المشقة المبيحة للانتقال من القيام إلى القعود بما يشوش الخشوع والأذكار، لأن القعود مباح في الجملة من غير عذر في جنس الصلاة، كما في التطوع، فلم يشترط في الفرائض العجز عن تصور القيام بالكلية، ولا الضرورة القادحة، بل كتفي بما يشق ويشوش عليه ملاحظة الصلاة وخشوعها. واشترط في إباحة الانتقال من العود إلى الاضطجاع عذر أشق من عذر الانتقال من القيام إلى القعود، لأن الاضطجاع مناف لتعظيم العبادات.

وأما الصوم، فلما كان له بدل، كانت المشاق المبيحة للفطر فيه خفيفة أيضا، فإنه يباح في كل سفر تقصر فيه الصلاة، وإن لم يكن فيه عليه مشقة أصلا، فالمعتبر هو السفر، وهوا المظنة، وهو كما تقدم في الجمعة.

صفحة غير معروفة