ولما حاربهم خالد بن الوليد في (بزاخة) لم يقع سبي؛ لأن طليحة كان أمرهم بإنفاذ أموالهم ونسائهم وذراريهم إلى نواحي بلاد طيء، وأن يلقوا المسلمين متجردين في الجنود، ولما قتل الله منهم من قتل في بزاخة، وفض جمعهم بعد بلاء شديد لا يتعلق ذكره بما نحن بصدده نهد لبني تميم في المهاجرين والتابعين، فتخلف عنه الأنصار وقالوا: لم يعهد إلينا أبو بكر أمرا بعد فراغنا من القوم، ولا بد من انتظار رأيه. قال: فإني الأمير وقد عهد إلي بحرب المرتدين جملة، وإذا كنت لا أتمكن من مراجعته وخفت فوات الفريضة، أفليس أنتهزها، وهذه تميم بالبطاح مع مالك بن نويرة؛ فأما عوف والأبناء من بني تميم فقد كانوا أطاعوا الزبرقان بن بدر، وثبتوا على الإسلام وكان قيس بن عاصم على المقاعس والبطون، ففرق الصدقة على فقرائهم إلا أنه تاب لما رأى نكير الله فيمن خالف الإسلام، ولقي الجنود بأعداد ما قسم من الصدقة، وقال الزبرقان فيما كان من ثبوته وتأدية الزكاة:
وفيت باذواد الرسول وقد أبت .... سعاة فلم تردد بعيرا مجيرها
معا ومنعناها من الناس كلهم .... ترانا الأعادي عندنا ما مصيرها
وأديتها كي لا أخون بذمتي .... مجانيق لم تدرس لركب ظهورها
أرود بها التقوى ومجد حديثها .... إذا عصبة سامى قبيلي فخورها
وإني لمن حي إذا عد سعيهم .... يرى الفخر منها حيها وقبورها
أصاغرهم لم يضرعوا وكبارهم .... رزان مراسيها عفاف صدورها
ومن رهط حيان توقيت ذمتي .... ولم يثن سيفي ينمها وهريرها
ولله ملك قد دخلت وفارس .... طعنت إذا ما الخيل شد مغيرها
ففرحت أولاها بنجلاء ثرة .... بحيث الذي يرجو الحياة قصيرها
[ومشهدصدق قد شهدت فلم أكن] .... [به حاملا واليوم يثنى مصيرها]
أيا رهبة الأعداء مني جرءتي .... وفتكي إذا ما النفس يرجى ضميرها
وقد كان قيس بن عاصم قال لما قسم الصدقة في فقراء قومه كما يفعله كثير من أهل العصر ويظنون أن الإسلام يبقى مع ذلك قال:
صفحة ٤٩