وقد بينا حدوث الجسم والعرض (1)، ولو كانت المحدثات من محدثات، لكان في ذلك دليل على رب السماوات، إذ كل المحدثات لم تنفك قط من السكون والحركات، وإذا لم ينفك الكل من الحدث، صح بذلك الخالق المحدث.
ودليل آخر
لو كان (2) كل محدث من محدث لكان لذلك آخر، وما كان له آخر فله أول، وما كان له آخر وأول فقد صح حدث الجميع.
ودليل آخر
إذا كان للمحدثات آخر، لم يخل ما مضى من المحدثات من أن يكون الآن كله موجودا (3)، أو بعضه أو كله معدوما.
فإن قلت: عدم كله، أوجبت أنه عدم بعد حدوثه، وصح عدمه كله، بعد حدوثه (4) كله.
وإن قلت: بل عدم بعضه، جعلته على قسمين:
قسم قد عدم فناهاه العدم بعد حدوثه، وأفقده بعد وجوده.
وقسم حدث ثم هو الآن موجود كله.
وإن قلت: إنه الآن موجود كله، فقد ناهاه الوجود، وللكل نهاية وغاية.
ودليل آخر
إذا لم يكن شيء من الأشياء المحدثة كلها ينفك من الحركات (5) والسكون، فقد مضى للحركات والسكون أزمنة تضمنها الفناء، وفي ذلك من الكلام ما قد مضى، وفيه كفاية لمن اكتفى.
وإن قلت: إن الجمادات حدثت في البدء هملا لا من علة ولا من محدث أوجبت عدمها، لأنها إذا كانت عدما لم تخل من أن تكون وجدت من قبل العدم أو وجدت لسبب.
فإن قلت: إنها وجدت للعدم فهذا محال، لأن العدم لا شيء، ولا (6) شيء لا يكون سببا للأشياء، لأن السبب لا يكون معدوما، لأن العدم نفي الأسباب.
وإن قلت: إنها حدثت لسبب، لم يخل ذلك السبب من أحد وجهين:
إما أن يكون قديما.
وإما أن يكون محدثا.
صفحة ١٤٦