ومن أعجب التهافت أن الكثير لاسيما من يدعون ويدعى لهم أنهم لايخرجون إلا الصحيح حتى صار ذلك لقبا لبعض كتبهم، وحتى صار المقلدون من أتباعهم يجرحون ويقدحون فيمن أبدى أي منازعة في حديث أو راو من رواتهم كأنها نزلت آية محكمة من كتاب الله تعالى أو تواترت سنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصحة جميع ما أخرجوه وهؤلاء يقبلون المصرحين زاعمين أنهم من المتأولين كالوليد بن عقبة الذي هو سبب نزول الآية: ((إن جاءكم فاسق بنبأ))، والسبب مقطوع به فلايجوز تخصيصه بالاتفاق وأمثاله كثير، والتمحلات التي يدافع بها البعض لاتنفق في سوق التحقيق، والله تعالى ولي التوفيق.
فإن قلت: مابالك خصصت المقلدين من الأتباع. قلت: لأن أرباب البحث والاطلاع لاترى عندهم ذلك التعصب وسوء الطباع، ألا ترى إلى قدح كثير من حفاظهم كالدار قطني وابن حجر صاحب الفتح وغيرهما في بعض رجال الصحيحين وأحاديثهما وقد أوضحت هذه الأبحاث في اللوامع، وإنما الداء العضال هم المقلدون الأغبياء، فإنك تجد من الإنصاف وفهم المقاصد وتجنب الإعتساف عند خصمك العالم مالاتجده عند موافقك الجاهل.
ومن البلية عذل من لايرعوي...عن غيه وخطاب من لايفهم
وفقنا الله تعالى لفهم الصواب، وسلوك منهج السنة والكتاب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
صفحة ٤٠٥