مجلة الأحكام الشرعية

عنها في قانون التجارة واستخراج المسائل من كتب الفقه الإسلامي يحتاج إلى مهارة وممارسة علمية وملكة فقهية كافية.

ولما أحس المسؤولون في الخلافة بتضخم المشكلة، وصعوبة الوضع لجأوا إلى تكوين هيئة لوضع مجلة الأحكام العدلية، وقد نوهت الهيئة في تقريرها إلى ذكر تلك الملابسات والمشاكل التي فرضت التقنين للشريعة الإسلامية، ثم عقبت على ذلك بقولها :

بناء على ذلك لم يزل الأمل معلقاً بتأليف كتاب في المعاملات الفقهية يكون مضبوطاً سهل المأخذ، عارياً من الاختلافات، حاوياً للأقوال المختارة، سهل المطالعة على كل أحد، لأنه إذا وجد كتاب على هذا الشكل حصل منه فائدة عظيمة عامة لكل نواب الشرع، ومن أعضاء المحاكم النظامية، والمأمورين بالإدارة، فيحصل لهم بمطالعته انتساب إلى الشرع، ولدى الإيجاب تصير لهم ملكة بحسب الوسع يقتدرون بها على التوفيق ما بين الدعاوي والشرع الشريف، فيصير هذا الكتاب معتبراً، مرعى الإجراء في المحاكم الشرعية مغنياً عن وضع قانون الدعاوي والحقوق التي ترى في المحاكم النظامية، ولقد أحيل على عهدتنا مع ضعفنا وعجزنا إتمام هذا المشروع الجميل، والأثر الخيري السديد، لتحصل به الكفاية في تطبيق المعاملات الجارية على القواعد الفقهية على حسب احتياجات العصر. بموجب الإرادة العلية اجتمعنا في دائرة ديوان الأحكام، وبادرنا إلى ترتيب مجلة مؤلفة من المسائل والأمور الكثيرة الوقوع اللازمة جداً من قسم المعاملات الفقهية مجموعة من أقوال السادة الحنفية الموثوق بها، وقسمت إلى كتب متعددة وسميت ((بالأحكام العدلية)».^(١)

وكانت هذه خطوة أولى رائدة في تحرر الفقه الإسلامي من تدوينه التقليدي، وعباراته الغامضة إلى صياغته صياغة فنية واضحة ومحددة.

ثم تتابعت جهود بعض الفقهاء المسلمين المعجبين بهذه الطريقة فألفوا على منوالها.

ففي مصر مثلاً ظهر كتاب (مرشد الحيران في معرفة أحوال الإنسان) في المعاملات الشرعية على مذهب الإمام أبي حنفية النعمان من تأليف محمد قدري باشا مرتباً في مواد قانونية، وقد قررت وزارة المعارف العمومية تدريسه في مدارسها بتاريخ ١٠ سبتمبر سنة ١٨٩٠م. كما أتم مسائل الوقف على نفس الأسلوب إلا أن المنيّة عاجلته قبل تبييضه ومراجعته.

وفي المملكة العربية السعودية قام فضيلة الشيخ القاضي أحمد بن عبد الله الفاري رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بمكة سابقاً بتأليف مجلة فقهية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وهذا ما سيكون موضوع الدراسة الآتية ولا يستبعد أنه ألفت في الأقطار الإسلامية الأخرى مجلات أخرى للأحكام نهجت منهجاً مشابهاً (مجلة الأحكام العدلية العثمانية).