الفصل العشرون
مزية الصفة الدينية في الفقه الإسلامي /20 - قدمنا أول هذا الكتاب (ف 3/2) أن الفقه الإسلامي هو نظام روحي ومدني معا، لأن الشرع الإسلامي جاء ناظما لأمور الدين والدنيا (ر: ف 7/1).
وبينا أن من نتيجة ذلك أن افتراق الفقه الإسلامي، حتى في القسم المدني منه وهو المعاملات، عن القوانين الوضعية بوجود فكرة الحلال والحرام فيه، وأن القضاء لأحد بطلب عندما يثبت مطلوبه بالمثبتات الظاهرة وتتوافر أسباب القضاء به لا يجعل الباطل حقا والحق باطلا في الواقع، ولا يبيح للانسان ديانة أن يتناول ما قضي له به إذا كان في الواقع مبطلا أو مزورا، وإن كان تنفيذ القضاء واحترامه لازمين لما تقتضيه سياسة التشريع من وجوب بناء القضاء المدني على الظواهر وترك البواطن إلى الدين. ومن ثم كانت أحكام المعاملات في الفقه الإسلامي ذات اعتبارين : اعتبار قضائي واعتبار دياني (ر: ف 1/2 -4) .
فهذه الصبغة الدينية في الفقه الاسلامي من حيث استمداده ومصادره الأساسية، ومن حيث فكرة الحلال والحرام فيه، لم تكن لتمنعه عن أن ي يني أحكامه المدنية على رعاية المصالح الدنيوية والأعراف السليمة، وأن يؤسس وضعا قضائيا مدنيا يبني أحكامه على الظاهر المحض كما تبني سائر القوانين الوضعية. ولكن تلك الصبغة الدينية فيه أفاضت على أوضاعه المدنية هيبة واحتراما، وأورثتها سلطانا على النفوس كان به الفقه الإسلامي شريعة مدنية ووازعا أخلاقيا في وقت مغا، لما فيه من قدسية المصدر القرآني الآمر، ومن الزاجر الديني الباطن إلى جانب القضاء الظاهر. فلا
صفحة ٢٧٦