تقديم
بقلم : الاستاذ عبد القادر عردة الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد كان هذا العنوان أمنية فأصبح حقيقة، كان أمنية تهوي إليها النفوس وتهفو إليها القلوب، فأصبح حقيقة مائلة بين دفتي كتاب يستطيع كل قارىء ان ينالها وأن يستمتع بجمالها.
وقبل هذا الكتاب كان عشاق الفقه الإسلامي يحاولون أن ينالوه فلا يستطيع أن يناله منهم إلا البعض وقليل ما هم، لأن الفقه اعتصم من طالبيه في المتون، وتحصن في الشروح، واستعصى على طلابه في اللغة المغلةة والأسلوب العقيم.
وكان كل من له إلمام بالفقه الإسلامي، وكل من عانى من قراءة كتب الفقه الإسلامي، يود أن توطأ للناس كتب الفقه حتى يتيسر لهم قراءتها وتسهل عليهم دراستها، وحتى يستطيعوا أن يوازنوا بين الفقه الحديث وبين الفقه الإسلامي العتيد، ذلك الفقه الغني بموضوعاته ونظرياته واصطلاحاته المتميز بدقته وقوته، ليكون لهم من هذه الموازنة ما يزيد ثقافتهم، ويوسع افاقهم، ويفتح أعينهم، ويوجههم إلى الطريق المستقيم | ## (1) نشر الأستاذ عبد القادر عودة رحمه الله تعالى هذا التقريظ عن الكتاب في مجلة (المسلمون) في القاهرة، السنة الثانية، العدد الخامس (1372 ه/1953م، ص 497 - 500). وننشره اليوم تقديما للكتاب في إخراجه الجديد.
صفحة ٤
هذه المشاكل التي كانت تواجه عشاق الفقه الإسلامي والدعاة إليه قد حلها كتاب، وتلك الأماني التي كانت تجيش بها صدورهم قد حققها كتاب، والكتاب الذي حل المشاكل فأحسن حلها وحقق الأماني فأحسن تحقيقها هو كتاب "الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد"، الذي اتخذنا اسمه عنوانا لهذا المقال.
وإذا صح أن الكتاب يقرأ من عنوانه فهذا الكتاب في نظري أول كتاب يدل عليه عنوانه حق الدلالة ويعبر عنه كل التعبير. إن عنوانه هو الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، وكل عبارة من عباراته، وكل فقرة من فقراته، وكل صفحة من صفحاته، هي الفقه الإسلامي في أسلوب جديد وعرض جديد وتنظيم جديد وتوجيه جديد، أو هي الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد كما شاعت الدقة والإحاطة لمؤلفه أن يسميه.
والكتاب سلسلة كتب ظهر منها حتى الآن المدخل الفقهي العام وكتاب الحق والالتزام والأموال والأشخاص، وكتاب عقد البيع، ولا يزال المؤلف يعد كتاب نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي. وطريقة المؤلف في الإخراج تدل على أنه سيضيف إلى السلسلة عددا آخر من الكتب .ا ولقد وقع في يدي كتاب المدخل الفقهي العام فوجدت شيئا جديدا وعملا جليلا. فأما أنه شيء جديد فإنه الفقه الإسلامي لم يجر رجاله على هذه الطريقة الحديثة التي جرى عليها المؤلف، ولم يأخذوا بذلك التقسيم العصري الذي أخذ به، حيث تؤصل المسائل، وتعرض الكليات، وتبسط النظريات، وتشرح المصطلحات ثم تستخرج الفروع من أصولها أو ترد الجزئيات إلى كلياتها، أو تطبق النظريات على موضوعاتها، فيخرج الدارس من دراسته وقد الم بالكليات والنظريات، وتماسكت في ذهنه المسائل وارتبطت الفروع بالأصول، واستفاد القدرة على حل المشاكل، والتمييز بين المتشابه .
وأما أنه عمل جليل فلأنه عمل غير مسبوق، ولأنه يقتضي من صاحبه فهما وعقلا وجهدا وصبرا حتى يصل إلى ما وصل إليه المؤلف من مستوى
صفحة ٥
رفيع، لا يصل إليه عادة إلا النابهون بعد أن تمهد لهم الطرق ويسبقهم الرواد، فإذا ما وصل المؤلف إلى ما وصل إليه بعد أن شق طريقه في الصخر وكان الرائد لنفسه ولغيره، فتلك هي العبقرية الفذة، أو هو فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
ولقد ساعد المؤلف على الوصول إلى ما وصل إليه، أنه رجل ذو هدف في الحياة، وأنه من أصحاب المثل العليا الذين يعملون ويقولون لوجه الله، فأمده الله جل شأنه بعونه، ورزقه الفهم لدينه وشريعته.
ويلوح أن المؤلف قد عانى من مرارة الاطلاع على كتب الفقه ما عانى، فأخذ على نفسه أن يوطىء الفقه لطلابه. ثم رأى الفقه الإسلامي في ترتيبه وتبويبه وربط فروعه بأصوله متأخرأ قرونا عن الفقه الحديث، فأخذ على نفسه أن ينقل الفقه الإسلامي عبر هذه القرون الطويلة نقلة واحدة يلحقه بالفقه الحديث، فوفقه الله إلى ما أراد، فوطأ الفقه الإسلامي لكل طالب، ونقله بخطوة واحدة جبارة من العصر العباسي إلى عصرنا الحديث فإذا هذا الفقه الغني القوي الذي كان ملتفا في ثوبه العتيق القديم يخرج على الناس في ثوبه الجديد فتيا مشرقا يزاحم الفقه كله بمنكبيه، ويعلن لناس أن فقه الإسلام هو الفقه وأن شريعته هي الشريعة وأن ما اختاره الله لناس هو الخير كل الخير للناس لو كانوا يعلمون والمؤلف الجليل يعلم وهو يقدم على هذا العمل الجليل أنه يقدم على عمل أجل وأعظم من أن يقوم به فرد، وأن هذا العمل يقتضي أن تعاون عليه جهود جماعة من الأساتذة العلماء المطلعين على الفقه الاسلامي والحقوق الحديثة في مصادرها وأساليبها الأجنبية . ولكن الحاجة الملحة إلى السرعة ومسابقة الزمن قضت بأن يقدم على حمل هذا العب الثقيل الذي ينوء بالعصبة أولي القوة مستمدا من الله العون .
ولقد أمده الله بعونه فوفقه إلى أن يخرج كتابأ جامعا لأصول الفقه الإسلامي والنظريات العامة التي تبنى عليها الأحكام في لغة قوية تسيل
صفحة ٦
عذوبة ورقة، وفي تنسيق دقيق وترتيب بديع، وربط للفروع بالأصول، وسلسلة منطقية للنظريات والأحكام. ولقد كان هذا الكتاب أول الكتب التي نقص المكتبة الإسلامية، وهو بعد وجوده أول الكتب التي ستبنى عليه النهضة الفقهية الإسلامية. فدارس الفقه الإسلامي في حاجة شديدة إلى هذا الكتاب ليعرف الأسس التي يقوم عليها الفقه، ولترتبط في ذهنه بعض هذه الأسس بالبعض الآخر ويتوجه بعد ذلك في دراسته توجهأ سليما . وأهم ما في الكتاب أن طلبة كلية الحقوق في العالم الإسلامي ستطيعون أن يقرؤوه فلا يشعرون أنهم يقرأون شيئا غريبا عليهم ولا بعيدا عنهم، بل لعلهم سيجدون في قراءته من اللذة العلمية والتعمق الفقهي ودقة التعبير اللغوي والاصطلاحي، ما يجعلهم يفضلونه على غيره من كتب القانون التي تترجم لهم ولا تؤلف، بل لعلهم يجدون فيه من الفن والروح ما لم يجدوه في كتاب آخر.
وقد استطاع المؤلف في سهولة ويسر بما وهبه الله من قوة الفهم وعمق الفقه أن يعرض النظريات الإسلامية العامة كما تعرض النظريات القانونية، وأن يصل كل كلية بفروعها، وأن يستخرج من الفروع كلياتها معتمدا في عمله على المذهب الحنفي، وإن كان يوازن في بعض المسائل بين المذاهب الإسلامية ولا ينسى في أكثر الأحوال أن يوازن بين حكم الشريعة والقوانين السورية.
والكتاب بعد ذلك مرتب ترتيبا منطقيا: فالقسم الأول منه يتكلم عن الفقه ومصادره والترتيب التاريخي لهذه المصادر، وتطور الفقه والأدوار التي مر بها ومميزاته في كل دور. والقسم الثاني يتناول النظريات الأساسية العامة: نظرية الملكية وما يدخل تحتها من أسباب الملكية وتقسيم الملك وخصائص الملكية، ونظرية العقود وما يدخل تحتها من تكوين العقد والارادة وشوائبها وآثار العقود والفسخ والبطلان وغير ذلك مما تتناوله عادة الكتب القانونية، ثم نظرية الأهلية والولاية.. إلخ وهكذا يسير الكتاب من
صفحة ٧
نظرية إلى نظرية فلا يترك نظرية حتى يوفيها حقها من البحث ويوفي ما يدخل تحتها من فروع حقها من البحث.
ومؤلف الكتاب لا ينسى أن يذكر بجوار المصطلح الإسلامي المصطلح القانوني ليبين الفرق بينهما في دقة التسمية، وليوسع بذلك معلومات القارىء، وينبه ذهنه إلى الموازنة والتعمق في الفهم والمؤلف الجليل الذي بذل هذا المجهود العظيم وأخرج هذا الكتاب الكريم هو الأستاذ الشيخ مصطفى أحمد الزرقا أستاذ الحقوق المدنية والشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بدمشق.
ولعل هذا التوفيق الذي لازم الشيخ في إخراج كتابه يرجع أولا إلى حسن صلة الشيخ بالله؛ فما يوفق هذا التوفيق إلا رجل يسدد الله خطاه ويرجع ثانيا إلى ما أفاء الله على الشيخ مصطفى من فضل الجمع بين دراسة الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية . وكل ذلك ساعد الشيخ الزرقا على أن يحلق في هذا الأفق العالي، وأن يقدم للإسلام والمسلمين أجل الخدمات بهذا الكتاب القيم.
جزى الله الشيخ عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء، ونفعنا بعلمه وأمده بالقوة وكتب له التوفيق إنه سميع مجيب.
عبد القادر عردة
صفحة ٨
كلمة
(1) بقلم: الدكتور منير العجلاني المدخل الفقهي العام يعد هذا الكتاب، في نظرنا، خير كتاب في التوطئة لدراسة مجلة الأحكام العدلية - القانون المدني العثماني القديم - وهو إلى ذلك دفاع مجيد عن عظمة الفقه الإسلامي، وقد نقل لنا مؤلفه ثلاثة نصوص دولية خطيرة تشيد بمزايا فقهنا ويسرنا أن نثبتها في هذه الكلمة: القرار الأول: اتخذه مؤتمر الحقوق المقارنة المنعقد بمدينة لاهاي في شهر اب من عام 1937 وهو يتضمن ثلاثة مباديء: - "اعتبار الشريعة الاسلامية مصدرا من مصادر التشريع العام.
- اعتبارها حية قابلة للتطور.
- اعتبارها تشريعا قائما بذاته ليس مأخوذا من غيره" .
القرار الثاني: اتخذه مؤتمر المحامين الدولي عام 1948 وهذه رجمته.
اعترافا بما في التشريع الإسلامي من مرونة وما له من شأن ، يجب على جمعية المحامين الدولية أن تقوم بتبني الدراسة المقارنة لهذا التشريع | ## وبالتشجيع عليها".
(1) نشرت هذه الكلمة في فمجلة المجمع العلمي العربي4 بدمشق، في المجلد الثامن والعشرين 1373 ه - 1953 م.
صفحة ١٠
القرار الثالث: اتخذه مجمع الحقوق المقارنة الدولي المنعقد في باريس 1952 وإليك ترجمته: إن المؤتمرين، بناء على الفائدة المتحققة من المباحث التي عرضت اثناء "أسبوع الفقه الإسلامي" وما جرى حولها من المناقشات التي تخلص منها بوضوح: - أن مبادىء الفقه الإسلامي لها قيمة لا يمارى فيها.
ب - وأن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات، ومن الأصول الحقوقية، وهي مناط الاعجاب وبها يتمكن الفقه الاسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة والتوفيق بين حاجاتها.
يعلنون رغبتهم في أن يظل (أسبوع الفقه الإسلامي) يتابع أعماله سنة فسنة، ويكلفون مكتب المؤتمر وضع قائمة للموضوعات التي أظهرت المناقشات ضرورة جعلها أسأ للبحث في الدورة القادمة .
ويأمل المؤتمرون أن تؤلف لجنة لوضع معجم للفقه الإسلامي يسهل الرجوع إلى مؤلفات هذا الفقه فيكون معلمة فقهية تعرض فيها المعلومات الحقوقية الإسلامية وفقا للأساليب الحديثة" .
. وكأن الأستاذ الزرقا قد استجاب لهذا الأمل، حين ألف كتابا في الفقه الإسلامي على الأسلوب الحديث بدأ كتابه بتعريف الفقه الإسلامي، ثم ذكر مصادره الأولى الأربعة الأساسية : الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ومصادره التبعية : الاستحسان والمصالح المرسلة والعرف، ثم بحث في أدوار (أو أطوار) الفقه الإسلامي ، فجعلها سبعة، أولها عصر النبوة، واخرها عصر المجلة - ولسنا معه في هذا
صفحة ١١
التقسيم، وإن يكن لعدد (7) سره وسحره1 - ثم دخل في صميم موضوعه وهو : "النظريات الفقهية الأساسية" كنظريات الملك، والعقد والأهلية إلخ ..
لم ينسج فيها على منوال من سبقوه، من شراح المجلة، الذين جعلوا الفقه "فتاوى" و ل"قضايا" و "جزئيات"... وإنما حاول أن يدرس المجلة كما يدرس الأساتذة الفرنسيون في كلية الحقوق بباريس مادة القانون المدني فجمع من أحكام القرآن والحديث وآراء الفقهاء، من مختلف المذاهب، ما يؤلف نظريات عامة تشبه النظريات الأوروبية الحديثة، وقد وفق في محاولته توفيقا كبيرا . فمن قرأ كتابه خرج منه بفائدتين : النظريات الفقهية الجديدة ، لا وله فضل إخراجها، وآراء الفقهاء التي لخصت للقارىء فأغنته عن قراءة عشرات من كتب الفقه!... وعلى إعجابنا بهذا الكتاب الجليل نشير إلى ناحية صغيرة ضعيفة منه كانت بمثابة "الخرزة" الزرقاء.. أو التميمة... من العين، وهذه الناحية هي أن الأستاذ الزرقاء... يقول دائما أن آراء علمائنا خير من آراء الغربيين ، وأنا معه، فقديمنا أفضل من قديمهم، ولكن قديمنا ليس دائما أفضل من جديدهم هذه ملاحظة! والملاحظة الثانية هي أن الأستاذ الزرقاء حمل بعض النصوص أكثر مما تستطيع أن تحمل، في سبيل بناء نظريات عامة تشبه النظريات الغربية، خذ لك مثلا احتجاجه بالآية الكريمة: 9ل تأكلوا أولكم بينكم بالبتطل إلا أن تكوب تجكره عن تراض منكم ) (النساء: /4) لإثبات مبدأ "سلطان الإرادة" وليس في هذه الآية شيء من ذلكا فمبدأ سلطان الإرادة أعلن تحرر الناس من المراسم والأشكال التي كانت ت فقد المتعاقدين، في ظل الشريعة الرومانية القديمة، كثيرا من حريتهم وتفسد كثيرا من عقودهم وتعتبرها لغوا لمجرد أنها لم تستكمل بعض الشكليات" ... فما هي الصلة بين هذا المبدأ وبين الآية الكريمة:
صفحة ١٢
وإن هاتين الملاحظتين لا تنقصان من قدر الكتاب الذي يستحق صاحبه أبلغ الثناء وأعظم التقدير، وهو كتاب قوي بمادته، وصاحبه رجل متوقد الذكاء، جمع بين الثقافتين الدينية والقانونية؛ قوي بلغته، فالأستاذ الزرقاء فقيه أديب، وأسلوبه في الكتابة يكاد ينسيك صعوبة المادة وجفافها...
الدكتور منير العجلاني
صفحة ١٣
مقدمة هذا الاخراج الجديد لسلسلة: الفقه لإبسلامي في ثوبه الجدبيد وفي طليعتها: المدخل الفقهيي العام
1
الحمد لله الذي أتم علينا نعمته، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الهدى، وعلى من بسنته اهتدى وعلى أله وصحبه.
وبعد فقد بني هذا المدخل الفقهي العام على ثلاثة أقسام هي : م قدمة تعريفية وتاريخية عن مصادر الفقه وأدوار تطوره، ويليها عرض لنظريات الفقهية الأساسية في مباني الأحكام، ثم بيان للقواعد الكلية في الفقه مع شرح موجز لها.
وقد دعتني حاجة التدريس الجامعي إلى أن أقوم بتدريس هذا المدخل وكتابته وطبع ما أكتبه بالتتابع كراريس متفرقة في وقت واحد لتوزيعها على الطلاب منذ عام 1363 ه - 1944م.
ثم كنت أزيد في كل طبعة لاحقة وأنقح بحسب ما تظهره لي حاجة التدريس الجامعي. وفي الطبعة الرابعة أصبح هذا المدخل الفقهي العام جزءين اثنين، موزعا تدريسهما على السنتين الجامعيتين الأولى والثانية . وتتابعت طبعاته حتى الطبعة الثامنة المنقحة حين تقاعدت من جامعة دمشق بحكم بلوغي السن القانونية في آخر عام 1966م . واستمر تدريس المدخل في الجامعة بعدي بضع سنين صدرت خلالها طبعات جديدة حصل فيها أخطاء مطبعية كثيرة . نم توقف تدريسه في جامعة
صفحة ١٤
دمشق، وكل ما صدر له بعد ذلك كان طبعات مسروقة غير مأذونة حتى يومنا هذا، وكثيرة الأخطاء المطبعية.
وقد تراكم لدي بعد صدور الطبعة الثامنة وخلال تدريسي لهذا المدخل في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية منذ أوائل السبعينيات صحيحات أخطاء وتنقيحات وإضافات مناسبة أدخلتها جميعا في هذا الإخراج الجديد الآن .
2
صدرت الطبعات الأولى لهذا المدخل ونحن حينئذ في ظل مجلة الأحكام العدلية التي كانت بمثابة القانون المدني في الدولة العثمانية، وكان هذا الكتاب مدخلا إلى الفقه الإسلامي عامة، وإلى مجلة الأحكام العدلية خاصة .
ثم صدر القانون المدني السوري المستمد من أصول الفقه القانوني الأجنبي في أواخر عام 1949م، وتوليت أنا تدريسه أيضا بدل مجلة الأحكام العدلية .
واستمرينا في تدريس المدخل الفقهي تحت عنوان مادة الشريعة الإسلامية .ا ومن فضل الله وتوفيقه أن المدخل شق في صياغة الفقه وتدريسه في الجامعات طريقا لم يكن معهودأ قبله، وأن هذا النهج الجديد في تقديم الفقه الإسلامي للطلاب غير ذوي الخلفية الشرعية لقي قبولا واسعا حتى صار هو الطريقة الشائعة. ويقوم هذا النهج الذي اعتزمت اتباعه منذئذ في سلسلة (الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد) على صوغ الأحكام الفقهية التي شرح مجلة الأحكام العدلية كصياغة الفقه القانوني الحديث، ليلبس الفقه الاسلامي بذلك ثوبا جديدا يتفق مع الأذواق القانونية المعاصرة في صياغته ومظهره، ويحافظ في الأحكام والأنظار الفقهية على أصله وجوهره. وهذا ما تقتضيه الدراسة الجامعية وحاجة العصر.
ومما كتبته عن الصياغة الجديدة لهذا الكتاب في مقدمتي للجزء الثالث لسلسلة في عام 1365ه (1946م): إني أعلم ما في هذه الخطوة من خطورة ومن جهود عظيمة ، فإن الفقه القانوني والقوانين الحديثة المنشأة على أساسه تسير من الأصول
صفحة ١٥
والمبادىء العامة بترتيب خاص، إلى فروع الأحكام الجزئية التي تقوم على أساس تلك المبادىء العامة أو تستثنى منها. وفقهنا - ومنه مجلة الأحكام العدلية - يسير بعكس ذلك، فيعالج الفروع مباشرة، وينثر أجزاء المبادىء العامة والأصول الكلية في طريقه بحسب المناسبات.
فجمع أجزاء هذه المبادىء العامة من مختلف الأبواب، واستيحاؤها غالبا من فروع الأحكام وعللها، ثم ضم كل جزء إلى أخيه ليستخلص من كل مجموعة منها الأصل الشرعي الذي يحكم فيها وترذ الفروع إليه، كل ذلك يستدعي من الجهد والوقت ما يجب أن يتعاون عليه جماعة من فقهاء الشريعة والقانون، ينصرفون بكل مواهبهم إليه" .
3
إن هذا الإخراج الجديد الآن للكتاب بعد جميع طبعاته السابقة - يتميز في الشكل وفي المضمون.
- ففي المضمون، حرصت على التمسك بالطابع والأسلوب التعليمي لهذا الكتاب ليبقى موطأ لطلاب كليات الشريعة والحقوق القادمين من الثانوية العامة ممن ليست لهم خلفية شرعية، وقاومت كل إغراء بتحويل الكتاب إلى موسوعة للأحكام الفقهية أو الفتاوى أو مرجع متعمق لدقائق الفقه وتفاصيله. فما زال الكتاب الآن كما أردت له أصلا أن يكون: مدخلا موطا يعلم الطالب الجامعي المفاهيم الفقهية الأساسية ومنهج التفكير الفقهي السديد، وليس تفاصيل وفروع الأحكام الفقهية التي تعج بها كتب الفقه التقليدية . وما يتضمنه الكتاب من أحكام فقهية هدفه الأساسي هو خدمة غرضه التعليمي بضرب الأمثلة وإيراد الشواهد وتشخيص المفاهيم المجردة وتثبيت القضايا الرئيسية في ذهن الطالب. وقد زدت عدد الأمثلة الإيضاحية المختارة بعناية لتناسب حاجة المبتدىء في التوضيح.
ثم قد استحدثت الآن في هذا الإخراج الجديد، في أواخر بعض الفصول، ملحقات صغت فيها القضايا والمسائل التفصيلية والمتعمقة التي
صفحة ١٦
تتعدى حاجة المبتدىء، لكنها تنفع الطالب المتقدم والمراجع الذي يريد التوسع. والأصل في هذه الملحقات أنها تتجاوز حاجة الطلاب في مرحلة الاجازة (البكالوريوس) فلا تطلب منهم دراسة وامتحانا. وبعض هذه الملحقات كان في الأصل حواشي مطولة في ثنايا الفصول، أما ما بقي من حواشي متعمقة لكنها لقصرها لا تستحق أن تفرد في ملحق، فحافظت على بقائها في أماكنها مع تمييزها بنجم (*) ليتعداها الطالب دون حرج ويعلم انها ليست مطلوبة منه في الامتحانات.
كما عنيت في هذا الإخراج الجديد بتقريب المدخل - قدر ما يسمح به طابعه التعليمي - من الواقع المعاصر وقضاياه . فالفقه الإسلامي ليس تراثا نضعه في المتحف وننفض عنه الغبار لنعرضه على الزوار، بل هو فهم لشريعة الالهية التي ارتضاها الله للناس ليهتدوا بها في حياتهم العملية ويهدوا إليها الإنسانية .
ومما أضيف إلى المدخل لهذا الغرض الآن : فصل جديد عن مميزات الدور الفقهي (الثامن) الذي نعيشه اليوم، وكذلك ملاحق متعددة تناولت فيما تناولته: حكم الفوائد المصرفية، وسلطة ولي الأمر، والسياسة الشرعية، وتقنين الفقه والتقنين منه، وتوحيد التشريع في البلاد العربية وعقوبة الزنى، والفرق بين مدرستي أهل الحديث وأهل الرأي (وهذه قضية قديمة تثور حولها تساؤلات معاصرة) .
اما الفهرس الهجائي التفصيلي للموضوعات والأعلام فقد جدد تجديدا كاملا حيث تفاقم في الطبعات السابقة الخلل فيه.
4
ب) - أما في الشكل: فبحسب هذا التقسيم الجديد تتتابع الفصول في المدخل الفقهي العام كله بالتسلسل من القصل الأول إلى الأخير، دون أن يتكرر رقم أي فصل: فالباب الأول مثلا يشمل الفصلين الأول والثاني ويلي ه الباب الثاني الذي يبدأ بالفصل الثالث وينتهي بالفصل الثامن ، ليبدأ بعده الباب الثالث من الفصل التاسع وهكذا.
صفحة ١٧
ومن مزايا هذه الطريقة في التقسيم، فضلا عن وضوحها، سهولة الإحالة فيها. فيكفي رقم الفصل ليتميز دون إضافة إلى الباب والقسم الذي ورد فيهما.
في هذا الإخراج الجديد قد حلت الفصول بأرقامها المتسلسلة من أول الكتاب إلى آخره محل الفقرات المتسلسلة في الطبعات السابقة، وأصبح لكل فصل فقراته الخاصة به ، وتستأنف من الرقم (1) في الفصل الذي يليه .
وفي هذا الإخراج الجديد وضعنا، في أعلى كل صفحة من الكتاب، الا الباب والفصل اللذين تعود إليهما تلك الصفحة بحيث يهتدي القارىء والمراجع من نظرة واحدة فيعلم أين هو، ويسهل عليه الانتقال إلى أي باب أو فصل يريد.ا وقمنا بضبط الشكل للأحرف الضرورية في كل كلمة تحتاج إلى ضبط لتسهيل قراءتها بالصورة الصحيحة على الطلاب.
اما الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في الكتاب فقد تم تخريجها وقد أعاننا في هذه المهمة وقام بها الشاب الناهض الشيخ مجد مكي الحلبي الذي يتابع دراسة الدكتوراه في الحديث النبوي، كما أعاننا في تصحيح تجارب الطباعة، أجزل الله مثوبته.
و أخيرا أشيد بالجهد الكبير الذي بذله ابني الدكتور محمد أنس الذي أعانني برأيه وخبرته وفعله، إعانة لم يكن في الإمكان أن يتحقق هذا الاخراج الجديد دونها، إضافة إلى ما ألقاه منه من عون في سائر أمور حياتي، ولا سيما بعد تقدم سني وتوهن عظمي، فأسأل الله أن يجزيه خير ما يجزي به عباده الصالحين المصلحين وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الرياض 12 من شوال 1416ه الموافق 1996/3/1م)
صفحة ١٨
مقصدمة الطبعة الثالثة
بمناسبة صدور القانون المدني السوري خلالها بدأنا هذه الطبعة من هذا المدخل الفقهي العام ونحن في ظل سلطان مجلة الأحكام الشرعية المصوغة من فقه المذهب الحنفي، والتي كانت هي قانوننا المدني العام، ومرجعنا في كل ما ليس فيه حكم قانوني بعدها يخالفها.
وقد كنا نبغي أن تكون هذه السلسلة الفقهية التي نصوغها وهي "الفقه الاسلامي في قوبه الجديده تمهيدا لقانون مدني حديث نخرجه في سورية مستمدأ من الفقه الاسلامي في مختلف مذاهبه الغنية، بحيث تقوم أسسه على أحسن ما في كل منها من النظريات والمبادىء الفقهية الخالدة، وهي التي تعاقب على حراثتها وتحريرها عباقرة فقهاء الإسلام خلال ثلاثة عشر قرنا، وأوجدوا في موضوعاتها وأبوابها - إلى جانب الأحكام التي أحكموا قواعدها ومبانيها - لغة ومصطلحات لم يعرف في تاريخ الحقوق لغة فقهية في مثل سعتها ودقتها وحسن انتقائها.
فأمنيتنا أن ننشىء قانونا مدنيا يصل تشريعنا الحقوقي وحاجاتنا الحديثة فيه بماض فقهي مجيد زاخر، قابل - بعظيم مبادئه ومرونة قواعده ومبانيه - ان يستجيب لكل ما تستدعيه حاجات المجتمع المدني الصالح وتطوراته الاقتصادية والاجتماعية والعرفية، كما سنرى شواهده في هذا المدخل وتوجيها إلى هذا الطريق كتبنا في هذا المدخل بحثا توجيهيا بعنوان اقانوننا المدني المنتظر، وفضل بنائه من الفقه الإسلامي" .
صفحة ٢٠
غير أننا ونحن في هذا الطريق، وأبصارنا معلقة بنهايته، ووزارة العدل السورية تكلف الإخصائيين بوضع قانون مدني مستمد من الفقه الإسلامي لا ووافي بالحاجات الزمنية الجديدة، فوجئنا بإصدار القانون المدني السوري في عهد الانقلاب العسكري الأول الذي حدث لدينا في 30 آذار 1949 م ، وكان صدور هذا القانون بمساعي السيد أسعد الكوراني الذي ولاه زعيم الانقلاب وزارة العدل السورية. فقد اهتبل السيد الكوراني فرصة ذلك العهد الانقلابي والحكم الإرهابي، وأقنع زعيم الانقلاب الذي تولى السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن إقامة قانون مدني أجنبي بدلا من التشريع الإسلامي وفقهه في هذه البلاد هو خير وسيلة لخلود الذكر وعظيم المكانة في نظر الأجانب، وأوهمه أن هذا العمل يجعله كنابليون الذي كان القانون المدني الفرنسي أكثر تخليدا له من فتوحاته1 وقد وجدوا أن القانون المدني المصري الجديد يحقق هذا الغرض لأنه أجنبي أوروبي المصادر، فأصدروه بين عشية وضحاها بجرة قلم هدموا بها أعظم صرح فقهي في العالم، وأقاموا بها قانونا لا مرجع فيه لقاض أو محام أو دارس إلا أصوله وإصطلاحاته الأجنبية .
وقد فاتهم أن طريق الخلود ليس في أخذ قانون أجنبي لا أثر لنا فيه إلا الانسلاخ من أصالتنا التي في كل أرض منها أثر ، وفي كل حضارة عنها خبر؟ ولا نتيجة له إلا تناسي الذات، والتحول إلى حياة على هامش الحياة! وإنما طريق الخلود في أن ننشىء من جوهر فقهنا الذي ملأت آلاف مؤلفاته مكتبات العالم، وأن نستمد من نبعه العذب المعين الهذار قانونا جديدا يفي بحاجاتنا الحديثة، فيكون أصله راسخا في فقهنا، وفرعه شامخا في السماء، كما كان يفعل فقهاؤنا الأعاظم في تخريجاتهم وتجديداتهم الفقهية إزاء حاجات كل عصر ومصر، حتى بلغوا بالفقه الإسلامي هذه السعة التي جلت عن الحدود. نعم هذا هو طريق الخلود الذي إذا مشينا وأنتجنا فيه كان كفيلا بأن يرد مصر نفسها إلى الجادة بعدما خطئت وانساقت
صفحة ٢١
وراء التشريع الأجنبي، تفني نفسها فيه ، وتبقى على هوامشه ضائعة الجهود مضيعة لمجد الجدود!
و نحن لا نأبى الاقتباس، فإن الحكمة ضالة المؤمن، ولكننا أثرياء في المادة؛ وإنما نحن بحاجة إلى اقتباس الأساليب الحديثة في البحث الفقهي وترتيبه، وإلى بعض الأحكام الجديدة التي نظمتها التشريعات للأوضاع الحقوقية والاقتصادية الحديثة، كشركات المساهمة، وعقود التأمين؛ على أن خرجها على قواعد فقهنا تخريجا يقيمها على أصوله، ويدمجها فيه، كما كان يفعل فقهاؤنا الأعاظم تجاه الأوضاع والحوادث الجديدة التي كانوا يواجهونها.
أما إهمال ذلك الفقه الذي تعاقبث على خدمته عشرات الأجيال من عباقرة الفقهاء وجهابذتهم ممن انقطعوا إليه، ووقفوا كل مواهبهم عليه وإقامة قانون أجنبي كامل يربطنا بعجلة التشريع والفقه الأجنبيين، ويجعل ترائنا العظيم نسيا منسيا، فهو إعلان إفلاس، وليس باقتباس، وهو عجز لا اابداع، فلا يليق هذا بأمة لها ثروة فقهية كثروتنا، وماض تشريعي جليل كماضينا.
هذا وقد رأينا أن خير عمل لنا، بعد تلك الجناية التي جنتها على مجذ العروبة الفقهي أيد شعوبية أئيمة، هو أن نتابع صياغة هذه السلسلة الفقهية الجديدة بتبسط وإحكام، كي يعرف الجيل العربي الحقوقي الجديد ما أفاد وما أضاع، فنفتح له طريق الرجوع بعد أن يملك من المعرفة ما يحكم به على تلك الجناية وجناتها.
فلذا عمذنا إلى توسيع هذا المدخل الفقهي العام في طبعته الثالثة هذه الي صدر القانون المدني خلالها، ليكون هو والأجزاء التي تليه حجة الفق العربي الإسلامي لأنصاره على أعدايه، وموقظا في الجيل العربي الناشى ء غيرة على تراث فقهي ليس لأمة مثله في تاريخ التشريعا وبهذه المناسبة نذكر أنه في مثل هذا اليوم من العام الفائت (الثاني من تفوز 1951 م) عقدت شعبة الحقوق الشرقية من "المجمع الدولي للحقوق
صفحة ٢٢
المقارنة" مؤتمرا في كلية الحقوق من جامعة باريس للبحث في الفقه الاسلامي تحت اسم "أسبوع الفقه الإسلامي" برئاسة المسيو (ميو 04فل) استاذ التشريع الإسلامي في كلية الحقوق بجامعة باريس، دعت إليه عددا كبيرا من أساتذة كليات الحقوق العربية وغير العربية وكليات الأزهر، ومن المحامين الفرنسيين والعرب وغيرهما، ومن المستشرقين. وقد اشترك فيه من مصر أربعة أعضاء: اثنان من جامعة فؤاد، وعميد كلية الحقوق في جامعة إبراهيم(1) وأحد أعضاء هيئة كبار العلماء عن الأزهر ، واشتركنا فيه أنا والأستاذ الدكتور معروف الدواليبي عن كلية الحقوق السورية.
وقد حاضر الأعضاء في خمسة موضوعات فقهية عينها مكتب المجمع الدولي للحقوق المقارنة قبل عام من زمر الحقوق العامة والخاصة (المدنية والجنائية، والإدارية، والاقتصادية) ومن تاريخ التشريع، ووجهت الدعوة لمحاضرة فيها، وهي (1) إثبات الملكية (2) الاستملاك للمصلحة العامة (3) . المسؤولية الجنائية (4) تأثير المذاهب الاجتهادية بعضها في بعض (5) نظرية الربا في الإسلام. وكانت المحاضرات كلها باللغة الفرنسية، وخصص لكل موضوع يوم. وعقب كل محاضرة كانت تفتح مناقشات مهمة مع المحاضر وبين المؤتمرين تطول وتقصر بحسب الحاجة، وتسجل خلاصاتها.
وفي خلال بعض المناقشات وقف أحد الأعضاء وهو نقيب محاماةا سابق في باريس. فقال: انا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الاسلامي وعدم صلوحه أساسا تشريعيا يفي بحاجات المجتمع العصري التطور، وبين ما نسمعه الآن في المحاضرات ومناقشاتها مما يثبت خلاف لك تمامأ ببراهين النصوص والمبادىء4.
##
(1) أصبح اسم الجامعتين المذكورتين الآن في عهد الثورة المصرية : جامعة القاهرة، وجامعة عين شحس، كما أصبح اسم جامعة "فاروق" في الإسكندرية : جامعة الإسكندرية .
صفحة ٢٣
وفي ختام المؤتمر وضع المؤتمرون بالاجماع هذا التقرير الذي .(1) 1 ترجمه فيما يلي1) : ان المؤتمرين".
بناء على الفائدة المتحققة من المباحث التي عرضت أثناء "أسبوع الفقه الاسلامي"، وما جرى حولها من المناقشات التي تخلص منها بوضوح: أ أن مبادىء الفقه الإسلامي لها قيمة (حقوقية تشريعية) لا يمارى فيها.ا ب - وأن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات، ومن الأصول الحقوقية، هي مناط الاعجاب، وبها يستطيع الفقه الاسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة، والتوفيق بين حاجاتها يعلنون رغبتهم في أن يظل أسبوع الفقه الإسلامي يتابع أعماله سنة فسنة، ويكلفون مكتب المؤتمر وضع قائمة للموضوعات التي أظهرت المناقشات ضرورة جعلها أساسا للبحث في الدورة القادمة .
ويأمل المؤتمرون أن تؤلف لجنة لوضع معجم للفقه الإسلامي يسهل الرجوع إلى مؤلفات هذا الفقه، فيكون موسوعة فقهية تعرض فيها | ## (1) وهذا هو النص الفرنسي الأصلي للتقرير المذكور:
صفحة ٢٤
المعلومات الحقوقية الإسلامية وفقا للأساليب الحديثة(1) .
ولا يخفى أن هذا الأمل الأخير الذي أعرب عنه المؤتمر في تأليف موسوعة فقهية على طراز موسوعات الحقوق الأجنبية، كموسوعة دالوز وغيرها، هو المرحلة الجديدة التي يجب أن يجتازها تدوين الفقه الاسلامي لكي يظهر بها جوهره، ويدنو بها ثمره. وهذا من أعظم ما يجب أن تفكر فيه جامعة الدول العربية. ومن الممكن أن يعهد به إلى لجنة تتألف من بضعة أشخاص من الفقهاء والقانونيين، يتفرغون له مع عدد من المساعدين خلال بضع سنين . وإن كلفته لا تعد شيئا بالنسبة إلى عظيم فائدته وأثره(2) .
والآن نترك المجال لهذا المدخل الفقهي أن يتكلم بلسانه العلمي الهادىء، وأسلوبه الجديد المبسط الموطا، وموازناته الفقهية المتواضعة فيترجم هو عن هذا الفقه العظيم لكل قارىء، وأسأل الله تعالى التوفيق إلى خير طريق، فهو الكفيل بالهداية إلى سواء السبيل دمشق في 10 من شوال 1371 ه من تموز 1952 م.
##
(1) وقد قامت الجمعية الدولية للحقوق المقارنة بتلخيص وقائع أسبوع الفقه الإسلامي هذا وما دار فيه من بحوث ومناقشات مع التعليق عليه بما يظهر أهميته الكبرى في عالم القانون ونشرت هذه الخلاصة في ثلاثين صفحة من مجلتها (المجلة الدولية للحقوق المقارنة: في العدد الرابع من السنة الثالثة، أيلول - تشرين الأول/1951، كما نشر معهد الحقوق المقارنة بجامعة باريس نصوص المحاضرات التي القيت في هذا المؤتمر كاملة مع مناقشاتها في كتاب خاص أصدرته مكتبة مجموعة سيريه م5 للبحوث القانونية سنة 1953 بإشراف المسيو (ميو) رئيس المؤتمر.
(2) إن هذا الحلم قد أوشك أن يتحقق، فقد أنشئت أول عام 1954 م الدراسي في الجامعة السورية بعد الطبعة الثالثة من هذا المدخل، كلية للشريعة الإسلامية . وقدا بنت هذه الكلية مشروع وضع موسوعة (دائرة معارف) للفقه الإسلامي بالصورة التي تمناها هذا المؤتمر، ورصدت في ميزانيتها لعام 1956 مبلغأ للبدء بهذا المشروع العظيم، وألفت له لجنة، وباشرت اللجنة اتصالاتها بعلماء الأقطار لهذا الغرض .
صفحة ٢٥