تأثر هارنجتون تأثرا كبيرا ببلوتارك وأفلاطون وأرسطو، وقد قال بنفسه إنه «لم يكتشف أوقيانوسة في عالم الخيال، وإنما وجدها في سجلات الفطنة القديمة.» ولكنه، كما أشار ه. ف رسل
H. F. Russel
في بحثه عن هارنجتون وكتابه أوقيانوسة، عمل من طراز مختلف عن جمهورية أفلاطون أو يوتوبيا مور، «لم يكتب للسماوات ولا لبقعة ليس لها وجود على الأرض، وإنما كتب لإنجلترا، كما أن مؤلفه لديه آراء محددة وواضحة عن احتياجات بلده، وقد حفزه حبه للصور الحية أن يقدم هذه الآراء في شكل سماه بالرواية السياسية الخيالية ... والكتاب، إذا جرد من زخارفه المجازية، يمكن أن ينظر إليه بوصفه دستورا مدونا بحروف مكبرة ...»
وعلى الرغم من أن هارنجتون أهدى «أوقيانوسة» إلى كرومويل
2 - الذي يعتبر بطل الرواية، كما أسندت إليه المهمة الكبيرة، وهي أن يحقق لإنجلترا ما حققه ليكورجوس لأسبرطة - فإن الكتاب صودر في أثناء وجوده في المطبعة، تنفيذا لقانون جديد يحظر نشر «الكتب والكتيبات الفاضحة». ومع ذلك فقد سمح بنشره بعد عام من ذلك التاريخ، أي في عام 1656م، وسرعان ما استقبل استقبالا شعبيا كبيرا، على الرغم من أن أنصار كرومويل حاولوا قدر طاقتهم السخرية منه. وحظيت أوقيانوسة، كما بين رسل، باهتمام كبير في أمريكا، وتجسد عدد كبير من أفكار هارنجتون في دساتير المستعمرات الأمريكية في فترة التجديد وإعادة البناء، وبخاصة في دستور بنسلفانيا.
لقد شارك هارنجتون دعاة المساواة في الإيمان بأن الحرية السياسية يجب أن ترتكز على «ملكية الأرض»، ولكنه قصر هذه الحرية على فئة الملاك الزراعيين «الجنتلمن» الذين أراد أن يجعلهم «حراسا» على الطبقات العاملة. (1) جيرارد ونستنلي (1609-1660م): «قانون الحرية»
ساءت ظروف العمال الإنجليز في غضون القرن ونصف القرن الذي يفصل يوتوبيا مور عن قانون الحرية لونستنلي، وعلى الرغم من التوسع في التجارة والصناعة، كان القرن السابع عشر، على حد تعبير ثورولد روجرز
Thorold Rogers ، «فترة بؤس متزايد بين جماهير الشعب والمستأجرين، إذ أثرت فيه قلة قليلة من الأغنياء، بينما سقطت الأغلبية في براثن الفقرة المدقع والدائم.» وازدادت البطالة والتشرد نتيجة للتطويق المستمر للأراضي، وحرم المستأجرون الملتزمون من قطع الأرض التي كانوا يزرعونها في الحقول المفتوحة، كما حرم العمال المعدمون من حق رعي أغنامهم وجمع حطب الوقود من الأراضي التي كانت على المشاع. وفي عهد هنري الثامن، سعت الطبقة الحاكمة إلى سحق السخط الشعبي بتشديد قسوة القوانين ضد المتسولين والمشردين، فأمرت بوضع علامة حرف «ر» على ظهور الذين يعتقلون منهم لأول مرة، وإذا عادوا مرة أخرى للتسول أو التشرد «يحكم عليهم بالموت دون الرجوع إلى الكنيسة.»
وعلى الرغم من قسوة هذه الإجراءات، فإن حالات التشرد والسرقة أخذت في الازدياد، والسبب في ذلك، كما قال مور، أنه عندما «تفرغ معدة هؤلاء تصبح حادة، ويسرقون بشكل أكثر حدة، وماذا بإمكانهم أن يفعلوا غير ذلك؟» كان في إمكانهم أيضا أن يتمردوا، وقد تمردوا بالفعل، فحطموا الأسيجة والحواجز التي طوقت الحقول التي كانت على المشاع، وتتابعت ثورات الفلاحين واحدة تلو الأخرى على فترات قصيرة. وقامت كذلك حركات سياسية للبحث عن علاج لبؤس الشعب. ومع سقوط الملكية وظهور «المستقلين» بزغ الأمل في إنجاز إصلاحات جذرية، ولكن هذا الأمل كان قصير العمر. وامتد السخط إلى الجيش فتم طرد الجند بالجملة لقمع تمردهم. وحتى الكثيرون من أنصار حركة المساواة، الذين دافعوا عن الإصلاحات الدستورية السياسية، بدءوا يفقدون ثقتهم في «البرلمان طويل الأمد»، وهو الذي سيطر عليه ملاك الأراضي الذين لم يفعلوا شيئا يذكر لتخفيف وطأة الفقر المتزايد الذي أحدثته الحرب الأهلية، ولم يبدوا أي اهتمام بأسر أولئك الذين شوهوا أو قتلوا بسبب الخدمة في جيشهم. وتأكد ل «الجناح الأيسر» من أنصار المساواة أن إصلاح الوضع الاقتصادي متوقف على إصلاح ظروف الفلاحين، ودعوا إلى إعادة كل الأراضي المشاع إلى العمال المعدمين وإلغاء تأجير الإقطاعيين للأراضي بأسعار زهيدة.
وحوالي عام 1648م انطلقت حركة «الأنصار الحقيقيين للمساواة» أو حركة الحفارين
صفحة غير معروفة