لأن الرجال الأمراء، كريمي المولد والنشأة، الذين تلقوا تربية حسنة، وخالطوا رفاقا أمناء، مدفوعون بحكم الفطرة والغريزة والحوافز التي تحركهم، نحو الأعمال الفاضلة كما أنهم معصومون من الرذيلة، وهذا هو الذي يطلق عليه اسم الشرف. وهؤلاء الرجال أنفسهم، حين يتعرضون للقمع ويخضعون للقهر، يتحولون عن ذلك الاستعداد النبيل الذي جذبهم فيما مضى إلى الفضيلة، وينفضون عنهم قيد العبودية الذي كبلهم به الطغيان الغاشم، لأن من طبيعة الإنسان أن يتوق للممنوع ويرغب في المحظور.
بهذه الحرية دخلوا في تنافس محمود، جعلهم جميعا يقبلون على ما يسعد أي واحد منهم، فإذا قال أحد الشبان أو إحدى السيدات تعالوا نشرب، شربوا جميعا، وإذا قال أحدهم دعونا نلعب، لم يتخلف واحد منهم عن اللعب، وإذا قال أحدهم هيا ننطلق إلى الحقول، ذهبوا جميعا معه، وإذا رغبوا في الخروج لصيد الصقور أو الحيوانات، امتطت السيدات صهوات الجياد اللطيفة، وجلسن على السروج الفخمة، وفوق أكفهن الرقيقة المغطاة بالقفازات أنواع مختلفة من الصقور الصغيرة، بينما تحمل أكف الشبان أنواعا أخرى. والتعليم الذي تلقوه هو أنبل تعليم، فلا واحد منهم ولا واحدة منهن إلا ويقرأ ويكتب ويغني، ويعزف على آلات موسيقية متنوعة ويتكلم خمسا أو ست لغات مختلفة، ويؤلف فيها كل ما هو طريف من الشعر والنثر، ولم ير أحد أبدا مثل هؤلاء الفرسان البواسل، ولا يعرف أحد مثل ما عرف عنهم من النبل والكبرياء، والبراعة والمهارة، سواء في مشيتهم أو على ظهور الخيل، ولا شاهد أحدا يفوقهم خفة وحيوية، ورشاقة وسرعة، أو حذقا في استعمال كل أنواع الأسلحة. ولم ير أحد سيدات يفقن (سيدات تيليم) حسنا ونضارة، أو رقة ودماثة خلق، أو براعة في استخدام اليد والإبرة، وفي كل عمل نبيل حر تتحلى به بنات هذا الجنس (اللطيف). ولهذا فعندما يحين الوقت الذي يفصح فيه أي واحد من أهل الدير المذكور - سواء يطلب من والديه أو لأي سبب آخر - عن رغبته في مغادرته، فإنه يصطحب معه إحدى السيدات، التي اختارها من قبل لتكون خليلته، وذلك بعد أن يعقد زواجهما. وإذا كانا قد عاشا في دير تيليم وألف بينهما الوفاء والحب، فإنهما يستمران على هذا الحب والوفاء، ويوثقان عراه، ويحلقان به إلى أسمى الذرى في ظل الحياة الزوجية، كما يستمتعان بهذا الحب المتبادل حتى آخر يوم من أيام عمرهما، فلا يقل في عنفوانه وتوهجه عما كان عليه في أول يوم من أيام زواجهما.
هوامش
الفصل الثالث
يوتوبيات الثورة الإنجليزية
بينما شهد القرن السابع عشر تدعيم سلطة الحكومات المطلقة، عارض القسم الأكبر من الشعب الإنجليزي بعزم وتصميم الحكم الملكي المطلق، وخضع الملوك لرقابة البرلمان. وفي الوقت الذي أعلن فيه لويس الرابع عشر في فرنسا أن «الدولة هي أنا»، سيق شارل الأول في إنجلترا إلى المشنقة. ولم يلق مذهب الحق الإلهي للملوك، الذي سمح لملوك فرنسا بسحق الحرية السياسية والدينية، تأييدا كبيرا لدى الشعب الإنجليزي الذي آمن، على النقيض من ذلك، بأن السلطة الحاكمة يجب عليها احترام الحقوق الثابتة للفرد، وأن من الضروري وضع حدود معينة لسلطة رئيس الدولة.
وبينما حاولت الحكومة المثالية التي تصورها جيمس هارنجتون
James Harrington (1611-1677م) أن تجمع بين وجود دولة قوية واحترام الحقوق السياسية للمواطنين، أنكر كل من توماس هوبز
Thomas Hobbes (1588-1679م) وجيرارد ونستنلي
Gerrard Winstanley (1609-1660م)، لأسباب متعارضة، إمكان اقتسام السلطة بين الدولة والشعب.
صفحة غير معروفة