19
والأرض هي المصدر الرئيسي للثروة في يوتوبيا، كما كان الحال في إنجلترا في ذلك الوقت، ويزرع سكان يوتوبيا أرضهم بمهارة، ولا يسمحون بأن يبور شبر واحد منها. ومع ذلك فليس عندهم طبقة خاصة من الفلاحين أو المزارعين، فثمة تكامل أو بالأحرى اندماج كامل بين عمال المدينة وعمال الريف، لأن كل مواطن يقوم بالعملين معا. وتصبح الزراعة شكلا من أشكال الخدمة العسكرية التي يؤديها كل مواطن لمدة عامين. وقد يبدو أن هذا الوقت أقصر من أن يكفي لاكتساب خبرة كافية في زراعة الأرض، لكن سكان يوتوبيا تدربوا على الزراعة وقتا طويلا قبل أن يلتحقوا ب «جيش الأرض»: «الزراعة هي العمل الوحيد الذي يقوم به الجميع، رجالا ونساء، دون استثناء، ويتعلمونها جميعا في طفولتهم عن طريق التلقين النظري في المدرسة من ناحية، وعن طريق الرحلات الزراعية التي يقوم بها إلى المزارع القريبة من المدينة للترفيه من ناحية أخرى. وهنا لا يكتفون بالمشاهدة فقط، بل يشاركون بالعمل الفعلي كلما سنحت الفرصة للتدريب البدني.»
20
ولا يزيد عدد أفراد العائلة في المدن على سبعة عشر فردا، ولكن عندما يرسل بعض أفرادها للعمل في الريف فإنهم يلحقون بمنازل ريفية لا يقل عدد أفرادها عن الأربعين: «توجد في جميع أنحاء المناطق الزراعية منازل ريفية مزودة بجميع أنواع الأدوات الزراعية. ويسكنها المواطنون الذين يجيئون للإقامة بها بالتناوب. ولا تضم أي أسرة ريفية في البلاد أقل من أربعين فردا من الرجال والنساء، بالإضافة إلى اثنين من العبيد الملحقين بالأرض. والجميع تحت رعاية رب الأسرة وربتها. وكلاهما شيخان وقوران. ولكل مجموعة من ثلاثين أسرة رئيس يدعى فيلارك.
ويعود من كل أسرة إلى المدينة سنويا عشرون من أفرادها، الذين قضوا سنتين في الريف. ويرسل من المدينة بدلا منهم عشرون آخرون. ويقوم بتدريبهم أولئك الذين قضوا سنة هناك وأصبحوا أكثر خبرة بشئون الزراعة. وهؤلاء بدورهم يدربون غيرهم في السنوات التالية. وبهذه الطريقة تتجنب البلاد أي خطر ينجم عن نقص كمية المواد الغذائية التي تنتج سنويا نتيجة الافتقار إلى الخبرة اللازمة، كما قد يحدث إذا كان الجميع في وقت من الأوقات حديثي العهد بالزراعة عديمي الخبرة بها. وبالرغم من أن هذا النظام الذي يقضي بتغيير الزراع هو القاعدة المتبعة، حتى لا يجبر فرد على غير إرادته على الاستمرار فترة أطول مما ينبغي، في مزاولة هذا النوع الشاق من العمل، غير أنه يسمح لكثير من الرجال الذي يميلون إلى الأعمال الزراعية، ويجدون متعة في مزاولتها، بالبقاء عدة سنوات. ويقوم هؤلاء الزراع بفلاحة الأرض، وتربية الماشية، وقطع الأخشاب ونقلها إلى المدينة عن طريق البر أو الماء، أيهما أسهل . ويربون أعدادا كبيرة من الدواجن بطريقة مدهشة. إذ لا يرقد الدجاج على البيض بل يحفظ الزراع عددا كبيرا منه في درجة حرارة معينة ثابتة، فتنبعث فيه الحياة ويفقس. أما الأفراخ فحالما تخرج من البيض، تتبع بني البشر وتنظر إليهم نظرتهم إلى الأم.»
21
وتتوثق العلاقة الحميمية بين المدينة والريف عن طريق التبادل الحر للبضائع والنزوح الدوري للمواطنين إلى الريف عندما يتطلب العمل ذلك: «أما ما يحتاجون إليه من أشياء لا توجد في الريف، فيرسلون في طلبها من المدينة، ويحصلون عليها دون مقابل من العاملين بالإدارة المحلية، دون القيام بأي مساومة. وتذهب إلى هناك أعداد كبيرة جدا كل شهر لقضاء يوم العطلة، وعندما يقرب وقت الحصاد، يخبر رؤساء المناطق الزراعية من الفيلارك موظفي البلدية بعدد المواطنين الذين يحتاجون إليهم من المدينة. ولما كانت جموع رجال الحصاد تصل سريعا في الوقت المحدد، فإنهم ينجزون الحصاد كله في يوم واحد.»
22
وجزيرة يوتوبيا بأكملها عبارة عن اتحاد فيدرالي مكون من المدن والريف المحيط بها: «ويأتي سنويا من كل مدينة إلى أموروت ثلاثة شيوخ ذوو تجربة، لمناقشة الأمور المتصلة بالمصلحة العامة للبلاد. وتعد هذه المدينة، لوقوعها وسط الجزيرة تماما، أصلح مكان لالتقاء السفراء من جميع أنحاء البلاد. أما الأراضي المحيطة فموزعة توزيعا عادلا بين المدن بحيث لا يقل ما يحيط بكل مدينة من كل جانب عن اثني عشر
23
صفحة غير معروفة