وقد تمت تغييرات أعظم في إدارة الريف، لأن الحكومة اختفت تمام الاختفاء.»
قلت: «لقد وصلت الآن إلى المرحلة التي يمكنني فيها أن أطرح بعض الأسئلة التي ربما تتحفظ في الإجابة عنها، ويصعب عليك شرحها، ولكنني شعرت أثناء الحوار السابق أنه يتحتم علي أن أوجهها لك، وسأشرع في ذلك الآن: ما هو نوع الحكومة لديكم؟ هل انتصرت الجمهورية أخيرا؟ أم وصلتم إلى الديكتاتورية التي اعتاد بعض الناس في القرن التاسع عشر على التنبؤ بأنها ستكون هي النتيجة النهائية للديمقراطية؟ الواقع أن السؤال الأخير لا يبدو منافيا للعقل تماما، ما دمتم قد حولتم برلمانكم إلى سوق للروث. أين أقمتم إذن برلمانكم الحالي؟»
استجاب الرجل العجوز لابتسامتي بضحكة من أعماق قلبه وقال: «حسنا، حسنا، ليس الروث بأسوأ أنواع الفساد؛ فربما يأتي منه السماد الذي يخصب الأرض، حيث لم يأت من النوع الآخر - الذي تشهد عليه هذه الجدران التي ضمت أنصاره في يوم من الأيام - إلا الجوع وشح الأقوات. والآن يا ضيفنا العزيز، دعني أخبرك أن برلماننا الحالي تصعب إقامته في مكان واحد، لأن الشعب كله هو برلماننا.»
قلت: «لست أفهم ما تقصده.»
قال: «لا. أظن أنك تفهم. لا بد أن أصدمك بإبلاغك أنه لم يعد لدينا شيء مما يمكن أن تسميه أنت - بوصفك مواطنا من كوكب آخر - باسم الحكومة.»
قلت: «لم أصدم كثيرا كما تتصور؛ لأن لدي بعض المعلومات عن الحكومات. ولكن خبرني، كيف تدبرون أموركم، وكيف وصلتم إلى هذا الوضع؟»
قال: «صحيح أننا مضطرون لإجراء بعض الترتيبات التي يمكنك الآن أن تسأل عنها، وصحيح أيضا أن تفاصيل هذه الترتيبات لا يوافق عليها الجميع. ولكن الأصح من ذلك أن الإنسان لا يحتاج إلى نظام حكومي كامل بكل ما يشتمل عليه من جيش وبحرية وشرطة، لكي يجبره على الخضوع لإرادة الأغلبية من أنداده، إلا بقدر ما يحتاج إلى جهاز مشابه لكي يفهمه أن رأسه والحائط الحجري لا يمكن أن يشغلا نفس المكان في نفس اللحظة.»
وقد اتخذ الناس، بعد إلغاء الملكية والحكومة، موقفا جديدا بعضهم من بعض. فقد اختفى من حياتهم النزاع واللصوصية، وأصبحت الزمالة الطيبة عادة فيهم. ومع ذلك فليس معنى هذا أن الأمر قد خلا من بعض حوادث الاعتداء.
قال هاموند: «ولكن إذا حدثت اعتداءات، فإن الجميع بما في ذلك المعتدون، يعلمون أنها مجرد أخطاء وقع فيها أصدقاء، وليست من الأعمال المعتادة التي يقترفها أشخاص تحركهم العداوة للمجتمع.»
قلت: «فهمت، ولعلك تقصد أنه لا توجد لديكم جرائم جنائية.»
صفحة غير معروفة