La Basiliade » ظهرت عام 1753م وعبرت عن أفكار مشابهة. وأيا كانت حقيقة شخصية مورللي، فيكاد يكون من المؤكد أنه اعتبر نفسه «أمين سر الطبيعة»، إذ سجل في أحد الفصول الأخيرة من كتابه «قانون الطبيعة» تفاصيل كثيرة عن دستور مجتمع مثالي قائم على قوانين الطبيعة.
لقد قضت الطبيعة، كما يخبرنا مورللي، بأن تكون الأسرة هي وحدة المجتمع، وأن تكون الحكومة دورية بالتعاقب، وأن تودع البضائع في المخازن العامة وتوزع منها، وأنه ينبغي على كل مواطن أن يعمل بالزراعة من سن العشرين حتى الخامسة والعشرين، وأن يؤخذ الأطفال من البيوت بعد سن الخامسة ليتلقوا تعليما عاما، وأن تفرض القوانين الجنائية الصارمة لضمان إنجاز الواجبات العامة. ولم يكن مورللي هو أول من آمن بالطبيعة الخيرة للإنسان، ولكنه بعد أن أكد أن المشرعين هم الذين أفسدوا الطبيعة الإنسانية، راح هو نفسه يؤسس مجموعة من القوانين التي لا تقل تشددا عن تلك القوانين التي تتحكم في المجتمع الذي سبق له أن هاجمه.
لقد أثر مابلي ومورللي تأثيرا ملحوظا على فكر عصرهما، وإذا صح الرأي الذي يرجح أن روسو هو أنبغ أتباع مابلي، فيكفي مورللي شرفا أن يصفه «بابيف»
9
بأنه هو المحرض الحقيقي على مؤامرة دعاة المساواة، وهكذا نجد أنهما يشغلان مكانة مهمة في تاريخ الفكر الاشتراكي، وإن كانت إضافتهما إلى الفكر أو الأدب اليوتوبي قليلة الحظ من الأصالة والجدة. (1) جبرييل دي فوانيي: «اكتشاف جديد للأرض الأسترالية المجهولة»
ربما لا يكون جبرييل دي فوانيي هو أهم كاتب يوتوبي معبر عن النصف الثاني للقرن السابع عشر، ولكنه يستحق أن نشيد به لأنه كتب يوتوبيا أصيلة وممتعة، كما أن قصة حياته تلقي الضوء على ما يمكن أن يحدث ليوتوبي غير متدين، عندما يعيش وينشر كتابه في مدينة تعتبر مثالية بالنسبة لمسيحي مؤمن. وقد رأينا كيف اتخذت مدينة المسيحيين لأندريا من مدينة كالفن نموذجا لها، وسنرى الآن كيف طرد فوانيي بعد ذلك بخمسين عاما من جنيف، حيث كتب هناك روايته «مغامرات جاك سادير
Les Aventures De Jacques Sadeur »، التي وضعها بغير شك تحت تأثير تلك الروح الشيطانية التي شن عليها كل من كالفن وأندريا حربا ضارية. ولم تكن كتابة فوانيي ليوتوبياه هي «الجريمة» الوحيدة التي ارتكبها، فمن حسن حظه أن مؤسسات جنيف كانت قد اتخذت في ذلك الوقت خطا أكثر ليبرالية، ولولا ذلك لدفع ثمنا أغلى عن سوء سلوكه.
ولد جبرييل دي فوانيي في قرية صغيرة في «الأردين» حوالي عام 1630م، لأسرة كاثوليكية. وبعد أن تلقى قدرا طيبا من التعليم دخل الدير التابع لنظام رهبان كوردلييه حيث رشحته موهبته في الخطابة ليكون واعظا. غير أن سلوكه المخزي سرعان ما أجبره على ترك ذلك النظام وتجريده من ثوب الرهبنة، ولما تعذر عليه العيش في فرنسا، قرر أن يغير بلده وديانته، وذهب عام 1666م إلى جنيف في حالة من الفقر الكامل والتلهف الشديد على السماح له بالإقامة في المدينة. وبعد اختبار إيمانه والتحقق من شخصيته من قبل المجلس الكنسي المكون من الوزراء وكبار السن في المدينة، تمت الموافقة على تحوله إلى الإيمان الحق، وسمح له بالإقامة.
ولم يمر وقت طويل حتى وجدت الصفوة من مواطني جنيف المبررات الكافية للندم على قرارها والتشكك في دوافع تحوله من الكاثوليكية إلى البروتستانتية. فقد تلقى المجلس الكنسي تقارير مختلفة عن سلوكه الفاضح، وبعد أن أغوى عدة خادمات ونكث وعدا بالزواج، وأعلن نيته في الزواج من أرملة سيئة السمعة، تم بالفعل طرده من المدينة.
وتوجه من هناك إلى لوزان ثم إلى برن حيث عاش حياة غير مستقرة، حتى أصبح - بضربة من ضربات الحظ - أحد المعلمين في كلية مورج
صفحة غير معروفة