8
أن يقيما المساواة بين البشر التي أسستها الطبيعة نفسها، كما يؤكدان ذلك، وأن يضعا مجموعة من القوانين والتنظيمات الصارمة التي تهدف إلى جعل البشر متساوين بحق. وقد هاجما الملكية باعتبارها أصل كل الشرور ومصدر تعاسة الجنس البشري، كما أرادا أن تكون الدولة هي مالكة كل شيء وأن توزع على المواطنين كل ما يحتاجون إليه. وقد كانت هذه أفكارا مألوفة في القرن الثامن عشر. وهي تفسر الشعبية التي تمتعت بها أعمال مابلي ومورللي (إلى حد أقل من زميله).
وليس هناك إلا القليل من الأصالة في نظريات «الأب جابرييل دوبونود ومابلي»، وهو حقوقي اعتزل الحياة العامة ولما يزل في شبابه، لكي يكرس نفسه للدراسة وكتابة عدد لا يحصى من الكتب. والواقع أن يوتوبياه، كما وصفها في كتابه «بحث عن حقوق وواجبات المواطنين»، تشبه يوتوبيا السير توماس مور شبها كبيرا: «سأكشف لكم عن إحدى نقاط ضعفي. فلم يحدث لي أبدا أن قرأت وصفا في كتاب من كتب الرحلات لجزيرة مهجورة ذات سماء زرقاء ومياه صافية إلا واشتقت للذهاب إلى هناك وإقامة جمهورية يكون الجميع فيها متساوين، والجميع أغنياء، والجميع فقراء ، والجميع أحرارا، ويكون قانوننا الأول هو تحريم الملكية الخاصة. سوف يتعين علينا أن نحضر للمخازن العامة ثمار جهودنا، وستكون هي ثروة الدولة وميراث كل مواطن. وسوف يكون على جميع الآباء في كل عام أن ينتخبوا متعهدين مهمتهم هي توزيع السلع على المواطنين طبقا لاحتياجات كل فرد، وإرشادهم للعمل الذي تتطلبه الجماعة.»
إن الملكية وعدم المساواة وحب الثروة هي كما يؤكد باستمرار لعنات الجنس البشري: «إن عدم المساواة صفة مهينة وتزرع بذور الشقاق والكراهية وتثير الحروب الأممية والأهلية. الملكية هي السبب الرئيسي في تعاسة الجنس البشري ...
وكلما فكرت في الأمر زاد شعوري بالاقتناع بأن عدم المساواة في الحظوظ والظروف يفسد الإنسان ويبدل مشاعر قلبه الطبيعية ...
والثروة تولد الحاجة، التي هي أكثر الرذائل جبنا، أو تولد الترف، الذي يصيب الأغنياء بكل رذائل الفقر، كما يبتلى الفقراء بالجشع الذي لا يشبعونه إلا بارتكاب الجرائم وبأحط أنواع الخسة؛ والانسياق وراء الشهوات التي يثيرها اقتناء الثروات، وهي إذ تضعف أرواح الأغنياء بحيث يصبحون عاجزين عن القيام بأي جهد يتصف بالكرم والأريحية، فإنما تلقي بالناس في البؤس الذي ينتهي بهم إلى الشراسة والغباء.»
وليس صحيحا، كما يؤكد مابلي، أن الملكية الخاصة تخلق الرغبة في العمل؛ فسوف يعمل الناس بشكل أفضل عندما تصبح جميع السلع مشتركة بينهم، لأن هذه «الفكرة الطيبة» هي التي ستدفعهم للإقبال عليه . وسوف تقدم لهم الحوافز على كل حال في صورة أنواع مختلفة من التكريم أو التقدير التي تمنح للعمال.
ويؤمن مابلي، مثل جان جاك روسو، بأن الإنسان كان خيرا عندما نشأ بين أحضان الطبيعة، ثم فسدت مفاتيح أوتاره الإنسانية ونشزت أنغامها. ولكنه لا يعتقد، مثل روسو أيضا، أن من الممكن إلغاء الملكية الخاصة والعودة للعصر الذهبي الذي كانت تسوده المساواة الكاملة. ذلك «أن هذه المشاعية في السلع، كما يقول، لا يمكن - بسبب فساد الأخلاق - إلا أن تكون محض خرافة في هذا العالم ... ومن المستحيل إيجاد مثل هذه الجمهورية في وقتنا الحاضر.» ولهذا يكتفي بتقديم بعض الإصلاحات الهينة التي تتعلق بالميراث، والتجارة، والضرائب ... إلخ. والظاهر أنه اقتنع بأن الثورات لها ما يبررها في بعض الحالات فقد قال: «إن النظر إلى الحرب الأهلية على أنها ظلم في كل الأحوال، يعتبر مذهبا مناقضا» للأخلاق الحميدة للمصلحة العامة.
وقد حاول مابلي، كما فعل العديد من مفكري عصره، أن يوفق بين خيرية الطبيعة البشرية والمساواة الكاملة التي أقامتها الطبيعة، وبين الإعجاب الذي يصل إلى حد العبادة بالحضارة اليونانية القديمة، وبأفلاطون وبلوتارك بصفة خاصة. ولم يدرك هؤلاء الكتاب مدى التناقض الذي وقعوا فيه عندما أقاموا تصوراتهم المثالية على أساس نموذج أسبرطة في عهد ليكورجوس وعلى جمهورية أفلاطون، مع أنهما يمثلان نظامين تأسسا على العبودية وفرضا تراتبية صارمة حتى بين المواطنين.
وكتاب مورللي «قانون الطبيعة أو الروح الحقيقية لقوانينها» الذي ظهر عام 1755م، وهو نفس العام الذي صدر فيه كتاب روسو «أصل وأسس عدم المساواة بين البشر»، يكرر نفس الأفكار الشائعة في هذا العصر. فالإنسان خير بحكم طبيعته الأساسية، ولكن المؤسسات القائمة على الملكية الخاصة هي التي أفسدته. لقد دمر المجتمع انسجام الطبيعة. ولم ينجح أحد في التحقق من شخصية مورللي، ولكن هناك اعتقادا عاما بأنه هو مؤلف قصيدة نثرية بعنوان «لابازيلياد
صفحة غير معروفة