وفيما برأ الله كتابه من الإختلاف والتناقض، وما خصه به من الحكمة والبعد من التداحض، ما يقول سبحانه: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82]، فهو الذي برأه الله من كل تناقض واختلاف وطهره تطهيرا، فلم ينظر بعين قلب مبصرة، ولا تمييز نفس زكية مطهرة، من خفي عنه أن تنزيل الكتاب، لا يمكن أن يكون من غير رب الأرباب، لعجز كل من سوى الله عن أن يأتي من آياته بأية، ولو عني بذلك وفيه بكل جهد وعناية، لامتناع ذلك وعوزه وارتفاعه عن ذلك وعزه، عن أن ينال نائل ذلك أبدا منه، وأن يصاب أبدا إلا بالله وعنه.
فوالله ما ينال ذلك في ظاهره وعليه، وبينه الذي لا يخفى وجليه، فكيف بما فيه من الأسرار والخفايا ؟! وما خبئ فيه لأولياء الله من الخبايا ؟!
كيف بما في حواميمه ؟! من غرائب حكمه، وما في طواسينه، من عجائب مكنونه، وما في {ق}، {وطه}، و{يس}، من علم جم للمتعلمين، وفي كهيعص وألم والذاريات، من أسرار العلوم الخفيات، وما في المرسلات والنازعات، من جزم أنباء جامعات، لا يحيط بعلمها المكنون، إلا كل مخصوص به مأمون، فسر ما نزل الله سبحانه من الكتاب، فخفي على كل مستهزئ لعاب.
صفحة ٢٣