فمن ذا يصدق أن هؤلاء أنفسهم، ودماء قتلاهم لم تزل على أبدانهم شاهدا عليهم، رأوا نصرانيا ساعتئذ يملك نخلة أرادوا شراء ثمرها، فقال: هي لكم، فأجابوه في شموخ: ما كنا لنأخذها إلا بثمن! فقال النصراني: واعجباه! أتقتلون مثل عبد الله بن خباب، ولا تقبلون جنى نخلة إلا بثمن!
ألا إنه لتناقض يوشك أن يبلغ في هؤلاء الناس حد الفصام، فكأن جلودهم يسكنها روحان متباينان، تظهر إحداهما لحظة لتظهر الأخرى في اللحظة التي تليها، فلا تدري في أي اللحظتين يمكن أن تراهم على حقيقتهم! ومن طريف أخبارهم التي تبرز ما فيهم من تناقض شديد، أنهم قد أصابوا في بعض طريقهم مسلما على خلاف معتقدهم، ونصرانيا، فقتلوا المسلم؛ لأنه عندهم كافر، وخلوا سبيل النصراني؛ لأنه من أهل الذمة.
ومن هذا القبيل ما روي من أن واصل بن عطاء كان يسير مع جماعة من رفاقه، فأحسوا بالخوارج، فقال واصل لرفقائه: دعوني وإياهم.
الخوارج :
ما أنت وأصحابك؟
واصل :
قوم مشركون مستجيرون بكم؛ ليسمعوا كلام الله ويفهموا حدوده.
الخوارج :
قد أجرناكم ...
واصل :
صفحة غير معروفة