مcاني الأخبار
محقق
محمد حسن محمد حسن إسماعيل - أحمد فريد المزيدي
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٠هـ - ١٩٩٩م
مكان النشر
بيروت / لبنان
حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ح أَبُو ثَابِتٍ قَالَ: ح عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، ح هِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ ﵇، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» نَبَّهَ عَنْ رِجَالٍ فَخْرُهُمْ بِأَقْوَامٍ، وَإِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ، فَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الشَّرَفَ بِأُولَئِكَ قَدْ سَقَطَ، ثُمَّ كَانَتِ الْعَرَبُ قَبَائِلَ، فَكُلٌّ كَانَ يَنْتَمِي إِلَى أَحَدِهَا، فَصَارَ نُعُوتُ الْمُؤْمِنِينَ بَدَلَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَمَرَاتِبُ الدِّينِ بَدَلَ شُعُوبِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١١٢]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥] فَالِانْتِمَاءُ إِلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَالشَّرَفُ بِهَذِهِ أنْسَبُ دُونَ الْآبَاءِ وَالسَّلَفِ. وَقَوْلُهُ ﷺ: «وَمُرُوءَتُهُ عَقْلُهُ»، ظَاهِرُ الْمَرْوَةِ عِنْدَ النَّاسِ حُسْنُ الزِّيِّ، وَجَمَالُ الْحَالِ، وَالتَّوَسُّعُ فِي الطَّعَامِ وَالْإِطْعَامِ، وَهَذِهِ أَحْوَالُ مَنِ اتَّسَعَ فِي الْمَالِ فَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَرْوَةَ هُوَ الْعَقْلُ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَاقِلُ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ، وَمُقَدَّرًا لَهُ، فَإِذَا كَمُلَ عَقْلُ الْمَرْءِ تَمَّتْ مُرُوءَتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُرُوءَةَ اشْتِقَاقُهَا مِنَ الْمَرْءِ، وَالْمَرْءُ الْإِنْسَانِ، وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا شُرِّفَ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ⦗٥٥⦘ بِالْعَقْلِ، وَكَمَالُ الْعَقْلِ التَّنَزُّهُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ ذَمِيمٍ، وَكَفُّ النَّفْسِ عَنْ شَهَوَاتِهَا الرَّدِيَّةِ، وَطِبَاعِهَا الدَّنِيَّةِ، وَوَضْعُ كُلَّ شَيْءٍ مَوْضِعَهُ، وَإِيفَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَالْعَاقِلُ يُوَفِّي حَقَّ الرُّبُوبِيَّةِ لِرَبِّهِ ﷻ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ وَطَاقَتِهِ، وَيُوَفِّي حَقَّ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ نَفْسِهِ، وَيُوَفِّي حُقُوقَ اللَّهِ مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمِيٍّ، وَيُوَفِّي حُقُوقَ نَفْسِهِ، فَإِنَّ لَهَا عَلَيْهِ حَقًّا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» . فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ الَّتِي يَجْمَعُهَا الْعَقْلُ فَقَدْ تَمَّتْ مُرُوءَتُهُ، وَظَهَرَتْ إِنْسَانِيَّتُهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، بَلْ هُوَ شَرُّ الْحَيَوَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الفرقان: ٤٤]
1 / 54