58

ثم انتحى بابنة عمه، فوضع عليها عباءته، وفتح لها ذراعيه، وقال لها: فداك دمي أيتها الحبيبة!

فاندفعت سلمى بين يديه باكية.

فضمها إلى صدره كما تضم الحمامة فرخها إلى جناحها، وقال وهو يهدر في ثورته: لأثيرنها عليهم نارا لا تطفأ، ولأبعثنها عليهم زلازل لا تبقي ولا تذر، حتى أدك صرحهم الخاوي الذي لا قوام له إلا على مثل هذا الجرم الشنيع.

وفيما هو يحدث امرأته سمع حوافر خيل مقبلة، فأسرع إلى فرسه وصاح في فتيانه: هلموا إلى الجبابرة الأنذال ...

وسارع الفتيان فركبوا من حوله وهو مردف حليلته من خلفه، حتى خرجوا من السجن إلى الأرض البراح وكان صداما عنيفا بينهم وبين جنود الطاغية حتى خرجوا من صفوفهم المتراصة.

ولما نزلوا أخيرا عند المساء في الوهدة الغائرة بين الدحال وطلع القمر فوق الفضاء الساكن، سمع الفتيان صوت شيخهم يتغنى عند رحله بأبيات شجية من شعره، وكانت نبراته المختلجة تنم عما في صدره من الأشجان.

ثم نادى أصحابه في صيحة عالية، فلما اجتمعوا حوله رفع يده عالية وقال في صوته الجهوري: «سنعود إلى القتال الليلة أيها الشجعان. لن ننتظر الصباح حتى لا يطول أمد الطغيان.»

فارسة قصر الباهلي

«هذه امرأة تلد الأبطال ...»

كان المرج الأخضر يمتد حول القصر - قصر الباهلي - فلا تقع منه العين إلا على بساط يتموج مع النسيم، وقد وشته الزهور بين بيضاء وصفراء وحمراء، وخرج الرعاء يسوقون فيه قطعانهم وخيولهم الضامرة.

صفحة غير معروفة